هاشم سلمان: دم الشيعة المعارضين بدأ يسيل

لا يمكن النظر الى هذه الاستباحة التي جرت امام السفارة الايرانية في بيروت، كما روتها الصور القليلة الواردة، الا على أنها تعبير عن سلوك البلطجة الذي يبشر به انتصار القصير في بيروت. بضعة افراد من اللبنانيين الشيعة لا يتجاوزون العشرين ينتمون الى "تيار الانتماء اللبناني" قرروا ان يعتصموا امام السفارة الايرانية في بيروت احتجاجا على انخراط ايران وحزب الله في القتال في سورية. هذا السلوك من الاحتجاج مألوف في لبنان، ودرج عليه كثيرون وشهدته العديد من اسوار مقار السفارات العربية والغربية في لبنان، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما جرى مرات عدة في الاشهر القليلة الماضية امام السفارة الفرنسية تضامنا مع المعتقل جورج ابراهيم عبدالله، وأمام السفارة التركية مرات عدة خلال الاسابيع الماضية في سياق الضغط على تركيا من اجل الضغط على من يحجز حرية المخطوفين اللبنانيين في اعزاز.

اذاً ما معنى كل هذا العنف الذي مارسته مجموعة منظمة وجوه اعضائها مكشوفة، ويتجاوز عديدها المئة يرتدون قمصانا سود، يحملون هراوات وبعضهم مسدسات؟
مجموعة لم تقم بما قامت به كرد فعل عفوي، بل كان منظما ومدروسا وصولا الى القتل. قتل هاشم سلمان برصاصة اصابته في وسطه. ولم يكتف هؤلاء بالقتل ولا بالهمجية التي مارسوها على بضعة مواطنين عزل من النساء والرجال. ولعل الهمجية التي قوبل بها هؤلاء، على مرأى من القوى الامنية والعسكرية وعلى مسافة امتار من اكبر ثكنة للجيش اللبناني في بيروت، هو لكونهم من داخل الطائفة الشيعية وتجرأوا على التعبير عن رأيهم في الشارع وامام سفارة قدس الاقداس. انها رسالة إلى كل من يحاول الانتقال من الكلام الاعلامي الى الميدان بأن الجواب سيكون القتل.
حادثة الامس وهمجيتها، مع بيان مديرية التوجيه اثرها والذي احالها الى مجرد "مواجهة جرت بين مواطنين"، هي اعلان ميداني بأن الدولة تعطلت بالكامل، كما هي تعبير عن اطلاق العنان للغوغاء المحمية والمنظمة بكامل مداها. وهي مؤشر على المزيد من انتقال لبنان نحو شكل سلطوي يحاكي النموذج الايراني، لجهة السيطرة شبه الكاملة على مقدرات الدولة، والهبوط من مستوى الخطاب والحركة السياسيين نحو البعد الميداني والاجتماعي: عنوانه القوة المسلحة ومنطقها ونقطة على السطر.

ولعل ترهيب الكاتب رامي عليق قبل أسبوعين، وتهديده بالقتل ومنعه من دخول قريته الجنوبية يحمر الشقيف، تندرج في السياق نفسه. فمرحلة ما بعد القصير هي غير ما قبلها. هي مرحلة تنفيذ الخطة (ب) في سورية انطلاقا من لبنان والتي بدأت مع اعلان هجوم حزب الله على القصير. وان كانت هذه الخطة غير واضحة في تفاصيلها، فهي تسير على طريق يرسم خارطة النفوذ في سورية ولبنان، التي ترتكز في الدرجة الاولى على البنية الديمغرافية الشيعية والعلوية في البلدين. وما المعارك التي ستخاض في سورية من قبل حزب الله في المرحلة المقبلة، الا ترسيخ وتثبيت لقواعد السيطرة على خط اتصال جغرافي يربط بين لبنان وسورية والعراق، ويقوم على اعادة رسم معالم سياسية جديدة للكيانات في المنطقة. والهدف هو ربط حلقات الاتصال الجغرافي بين مناطق النفوذ الايراني في هذه الدول، وتحويل قواعد النفوذ الى واقع قانوني لا يمكن تجاوزه عند بدء اي مفاوضات دولية او اقليمية محتملة بشأن سورية.

للمرة الأولى يسقط قتيل مدني حاول ان يعبر عن احتجاجه بطريقة سلمية امام السفارة الايرانية في بيروت. وهي المرة الاولى التي تحاول مجموعة مدنية الاحتجاج امام هذه السفارة. وللمرة الأولى الدم الشيعي على الارض في بيروت منذ اكثر من عقدين، اي منذ توقفت المواجهات بين حزب الله وحركة امل. رسالة ما بعد القصير تقوم على تقديس منطق القوة وليس قوة المنطق، حيث يحق لمناصري حزب الله الاحتجاج والاعتراض امام اي سفارة اجنبية او عربية ولأي سبب، اما ان يمارس غيرهم هذا الحق وبشكل سلمي امام السفارة الايرانية فهذه جريمة لا تغتفر الا بالقتل.

هاشم سلمان مواطن لبناني قتل وهو يحاول ان يعبر عن وجهة نظره في الشارع. لم يحمل سلاحًا. كان اعزل فقتلته البلطجة. تلك التي تنتج من تمازج بين شعور عميق بعدم مشروعية الهدف الذي يجري القتال من اجله وفائض القوة ووهم التحكم والانتصار.
هاشم سلمان هو البداية: دم الشيعة المعارضين بدأ يسيل في بيروت.

 

السابق
الجيش: مقتل مواطن اثر اشكال امام سفارة ايران والجيش يلاحق مطلق النار
التالي
النهار: لبنان يستغيث: عدم قدرته على استيعاب المزيد من جرحى القصير