مسؤولية حزب الله

مرة جديدة يجد حزب الله نفسه أمام تحد من نوع غير مسبوق، وأمام مسؤولية تترتب عليها احتمالات مصيرية. باختصار بات الكل يدرك، يعرف ويعترف بأن ما بعد معركة القصير ليس كما قبلها. وقد يكون خصوم حزب الله وأعداؤه في الداخل والخارج أكثر من انتبه إلى تلك الما بعد، وأكثر من توقف ونبه وحذر من مترتباتها والتداعيات. ولا ضير ربما، لفهم حقيقة الانطباع والمتصور أو حتى المسوَّق، من سماع ما يقوله هؤلاء في هذا المجال.
يبدأ خصوم حزب الله تحليلهم بالخلاصة، بما يعتبرونه درس الدروس وعبرة العبر من موقعة القصير. يقولون: بعد تلك المعركة، صرنا نحن ولبنان أمام احتمال من اثنين: إما نهاية حزب الله وإما نهاية لبنان. لا احتمال ثالثاً، ولا فرصة أخرى لحالة وسطية بين الاثنتين. إما أن يندثر هذا التنظيم الذي بات أقوى لا من لبنان كدولة وحسب، بل أقوى من أي دولة مجاورة، وإما أن يندثر لبنان كدولة مدنية وكوطن تعايش وككيان تعدد وتوافق وتجاور وتحاور.
ويسهب مناوئو حزب الله في شرح نظرتهم أو نظريتهم: ما حصل في القصير لم يكن وليد خطاب السيد نصرالله في 25 أيار، ولن يكون 5 حزيران بالتالي نهايته. فهو لا شك نتيجة أشهر طويلة من التحضير والتخطيط والاستعداد، بشرياً ولوجستياً. ولذلك الآن فهمنا، والآن فقط، ان معركة القصير هي مجرد محطة في مخطط شامل، مجرد حلقة في سلسلة عرفنا أين بدأت، لكننا لا نعرف أين ستنتهي. وفي كل حال، يمكننا الجزم أن ما أُعد لمعركة القصير لا يمكن أن يكون من أجل إسقاط هذه المدينة الصغيرة بالمقياس السوري. وبالتالي فالآتي أعظم… يجزم مناوئو حزب الله. من هنا، يضيفون، وعلى ضوء القصير، وخصوصاً على ضوء ما بعدها، لا بد من التوقف عند التالي:
أولاً، أن يكون حزب الله قد دخل في مواجهة وجودية نهائية مع وجدان أكثري لجماعة كاملة في المنطقة، وفي لبنان، هي جماعة السنة. مواجهة يخشى ألا تكون هناك معادلة لنهايتها، إلا وفق ثنائية القاتل والمقتول. وما أعلنه الداعية الإسلاموي يوسف القرضاوي من الدوحة مؤشر. وما زاد عليه مفتي العائلة السعودية ومملكتها مؤشر أيضاً. مع الإشارة إلى أن قسماً كبيراً من تلك الجماعة في لبنان أيضاً، يعيش الحالة نفسها، حالة الذات المصدومة والمكسورة وحتى «المغتصبة» في وجدانها. والاعتراف واجب هنا بأن ثمة مسؤولية ذاتية على هؤلاء في الواقع الذي انتهوا إليه. مسؤولية تبدأ بتضخيمهم المسبق لما اعتقدوه نصر القصير الآتي لحسابهم. سموها فييتنام الشيعة، وصبرا وشاتيلا حزب الله. حتى إن أحدهم ، وباسم فريقه بأجمعه، سماها قصيرغراد، تيمناً بمعركة انكسار هتلر على جبهته الشرقية. قبل أن يسحب مفاعيل قصيرغراده المقبلة على وضع جماعته بكاملها، وعلى عهد «التنانير» الشهير. هذا فضلاً عن مسؤولية ذاتية سابقة في الحرب السورية، لتلك الجماعة المهجوسة بشعور الهزيمة الآن. فيوم بدأ يُشتم حسن نصرالله في بروباغاندا المعارضة السورية ـــ اللبنانية، ويوم كُلف أحدهم إدخال «ما لم تروه من قبل» عبر تركيا، ويوم قيل إن أحدهم أقنع بترايوس بإقامة مثلث عكار ـــ عرسال ـــ القصير، لشق نظام الأسد بين الشام والساحل، تمهيداً لإسقاط الاثنين، ويوم بدأت كل التعزيزات البشرية والعسكرية والمالية تُضخ على محاور هذا المثلث وأضلاعه تنفيذاً للمخطط… يومها لم يكن حزب الله قد اجتاز الحدود بعد.
غير أنه يظل ثابتاً اللحظة، أن حزب الله قد دخل فعلاً في تلك المواجهة، وعليه توقع تداعياتها وترقب نتائجها. وأول مخاوف تلك العواقب استجرار الجهاد الإسلاموي إلى قلب لبنان، تفجيراً أو إرهاباً أو انتحاريين.
ثانياً، أن يكون حزب الله قد أثار مرة أخرى حذر اسرائيل، لا بل استنفارها وحفيظتها ووتر البقاء عندها. كان صوت اسحق موردخاي معبراً جداً لهذه الناحية، وهو يعلق على إحدى قنوات التلفزة الاسرائيلية على سقوط القصير. قال لمحاورته: أعطيني دقائق قليلة لأحدد لك عناصر حزب الله من بين كل تلك الجموع. ثم راح يفعل ذلك. قبل أن ينتهي إلى الخلاصة الأساسية، قال: «الآن انتقل حزب الله من الدفاع إلى الهجوم. ما الذي يضمن عدم تكراره لاقتحام القصير في أي مكان آخر؟ هذا هو السؤال الذي علينا التوقف عنده». سؤال يفرض على حزب الله تحدياً جديداً ايضاً، ويفتح في وجوده وحساباته مرحلة جديدة.
ثالثاً، أن تكون واشنطن قد استيقظت من وهم حساباتها السابقة بعد القصير. فحتى عشية 5 حزيران، كان أهلها يضحكون طويلاً وهم يشرحون لسائلهم كيف أن «جبهة النصرة» مصنفة لديهم إرهابية، وحزب الله كذلك، وهما الآن يقتتلان، فيما واشنطن لم تستثمر في اقتتالهما سنتاً ولا جزمة، كما اضطرت في كابول وبغداد. كانوا يتفرجون على ما سموه حصادا أميركياً وفيراً، من دون زرع ولا بذر وبالمجان. لكن فجأة انتهى هذا المشهد. وأفاقت واشنطن على واقع جديد، فهل تقبله وتحتمله؟
رابعاً، لا ينسى مناوئو حزب الله التوجه إلى حلفائه المسيحيين بالذات، قائلين: هل فكرتم في ما لو انتصر حزب الله في سوريا، كما انتصر في لبنان، ماذا سيبقى لكم من «مونة» عليه، وماذا ستبقى له من حاجة إليكم؟ كل نظرية موازنتكم بين بشار ونصر الله تكون قد انتهت. وستكونون عندها تحت رحمة «ضاحية كبرى» واحدة، تمتد من بئر العبد إلى السيدة زينب. فعلى أي تفاهم عندها ستعولون، اللهم إلا دينكم في عنق السيد تجاهكم، لكن ليس الآن، بل يوم القيامة…
كل ذلك يقوله خصوم حزب الله اليوم. وكل ذلك يفرض على هذا الحزب اللبناني تحدي الجواب للمرحلة الجديدة. تماماً كما فعل بعد تحرير الألفين، وبعد نصر 2006. تحدي الإثبات أن لا نهاية لهذه القوة اللبنانية، ولا نهاية بالتالي للبنان، لأنه لا تناقض ولا تنافر بين الاثنين، بل مواءمة ومطابقة وتلازم حتى التكامل. تحد لا ضرورة لأن ينتظر لما بعد القصير، مع أن الكل ينتظر ما بعدها.  

السابق
سندفع ثمن خذلان الشعب السوري
التالي
زهرا: الاتحاد الاوروبي لن يدرج حزب الله على لائحة الارهاب