فضل الله: لحماية الجيش وتعزيز المقاومة ووأد الفتنة والتوازن الاستراتيجي

ألقى العلامة السيد علي فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات السياسية والعلمائية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

"عباد الله اتقوا الله، وأوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ولبلوغ التقوى، لا بد من الاستهداء بهدي رسول الله. هذا الرسول الذي حظى بتربية الله له وإعداده لحمل المسؤولية الكبرى. وقد تجلى ذلك واضحا في سيرته، فقد كان رسول الله، وقبل أن يبعث رسولا، يدعى الصادق الأمين، فيقال عنه: جاء الصادق الأمين وذهب الصادق الأمين. كما كان حليف المظلومين في مكة. ومن هنا، كانت مشاركته في حلف الفضول، هذا الحلف الذي كان الهدف منه حماية المظلومين الذين لا يملكون القوة، ولا سند لهم ولا ظهر، وكثيرا ما كان يعتز بمشاركته في هذا الحلف بعدما بعث نبيا، فكان يقول: "شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفا لو دعيت له في الإسلام لأجبت".

واضاف: "نقرأ أيضا في سيرته أنه كان حكيم مكة، يرجع إليه في حل الخلافات المستعصية وهذا ما حصل عندما أعيد بناء الكعبة بعدما هدمها السيل، حيث توقف زعماؤها عن المضي في البناء، بعدما وصل البنيان إلى موضع الحجر الأسود، فأرادت كل قبيلة أن تتشرف وحدها برفع الحجر الأسود إلى موضعه من دون بقية القبائل، واختلفوا وأوشكوا على القتال، فجاء رسول الله فطلب ثوبا، ثم أخذ الحجر الأسود ووضعه فيه، ثم قال: "لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب"، ثم رفعوه جميعا حتى إذا بلغوا موضعه وضعه بيده الشريفة، وبهذا حسم رسول الله الخلاف الذي كاد يتطور إلى صراع دموي بين القبائل".

وتابع: "بهذه الأخلاق وبهذه الشخصية، استطاع رسول الله أن يختصر الزمن في عمله الرسالي، وهو بذلك أراد أن يؤكد حقيقة لكل العاملين ولكل الرساليين والمؤمنين، أن الذي يريد أن يتحمل المسؤولية، أي مسؤولية، لا بد من أن يكون صادقا أمينا حكيما حليف الحق والمظلومين".

وقال: "إن مشكلتنا في كل واقعنا في الكذابين والخائنين الذين يداهنون ظلما وطغيانا لحساباتهم الخاصة، ولا يحسنون التصرف وإدارة الأمور، هؤلاء يتحملون مسؤولية هزائمنا ونكباتنا في كل مجالات الحياة، وهؤلاء هم سبب النكبة التي تعصف بهذه الأمة، وقد مرت علينا ذكرى نكسة الخامس من حزيران، هذه النكسة التي كان يمكنها أن تتحول إلى هزيمة منكرة ليبني عليها العدو أمجاده وأحلامه في الاستيلاء على مزيد من الأراضي وإبقاء زمام المبادرة في يده، لولا روح المقاومة التي استعيدت في العالم العربي والإسلامي، والتي تجلت مقاومة في لبنان وفي فلسطين، هذه المقاومة التي كسرت عنفوان العدو وأسقطت هيبته، واضطرته إلى أن يتراجع عن بعض احتلاله، ولكن هذا لا يعني أن نستكين، فهذا العدو لا يزال يعمل في الليل والنهار للثأر من هزيمته، وإعادة زمام المبادرة إليه، وهذا ما نراه في سعيه الى تعزيز جبهته الداخلية وإبقاء تفوقه العسكري والأمني، والمناورات المستمرة التي تحاكي هجوما على هذا البلد العربي وذاك الإسلامي.
وفي الوقت نفسه، يسعى هذا العدو مع حلفائه الى تهيئة كل مناخات الفتن الطائفية والمذهبية والسياسية، مستفيدا من الجهل والتخلف والمنطق التكفيري الإلغائي الذي بات مشكلة لواقعنا".

واضاف: "منعا للعودة إلى النكسة وإلى تاريخ الهزائم، نحن مدعوون إلى وأد الفتن في واقعنا، حيث الدماء باتت تسيل أنهارا في ساحات الداخل، وإلى تعزيز مواقع القوة التي أعزت هذه الأمة بتعزيز المقاومة وحفظها وحفظ مجاهديها، فلا نضطرها الى ان تتطلع إلى الوراء كي تحمي ظهرها أو وجودها أو خط إمدادها بل أن نحميها كي تتابع مسيرة القوة وإيجاد توازن استراتيجي مع هذا العدو.
إننا مدعوون أيضا الى أن نبقى حذرين دائما من هذا العدو الغادر الذي ينتظر أي فرصة ضعف لينقض على كل واقعنا، أن نبقى نتطلع إلى فلسطين التي تستصرخنا، حيث يستمر العدو في مشروعه التهويدي عبر مشاريعه الاستيطانية وإزالة المعالم التاريخية الإسلامية والمسيحية، واستهدافه المستمر للمسجد الأقصى، وعبثه الدائم في كل مقدرات الشعب الفلسطيني وحياته".

وتابع: "في الوقت نفسه، لا بد من أن تبقى عيوننا على سوريا، حيث تستمر الخطة الاستكبارية في إضعاف الموقف الريادي لهذا البلد، عبر إضعاف جيشه وحيوية شعبه، هذا الشعب الذي وقف في كل تاريخه مع المقاومة في لبنان وجهاد الشعب الفلسطيني، وذلك بتأجيج الصراع فيه وإعطائه بعدا مذهبيا وطائفيا، وإخراجه عن بعده الحقيقي الذي بات لا يخفى على القاصي والداني، وعبر ذلك، فإننا نعيد التأكيد لكل مكونات الشعب السوري، وعي خطورة ما يجري، والعمل سريعا لمد جسور التواصل في ما بينهم، منعا لاستمرار نزف الدم والدمار، فلا ينتظر أن يأتيه الحوار من هذا الطرف أو ذاك، لأن هذا الحوار لن يأتي سريعا منهم لكونهم مرتاحين إلى استمرار نزف الدم في الداخل ما دامت مصالحهم والكيان الصهيوني في أمان، وليبق الشعار الدائم للجميع في سوريا: "لأسلمن ما سلمت أمور السوريين".

وقال: "أما لبنان الذي يعيش أبناؤه الخوف والقلق من الفتنة التي يسوق لها البعض نتيجة تداعيات ما يجري في محيطهم، وارتفاع منسوب الخطاب التوتيري، وإقدام البعض على التصويب على المؤسسة العسكرية وتعطيل دورها، ما بات يستدعي عملا جادا من الجميع لدرس كل السبل الآيلة الى منع تسلل الفتنة التي نخشى أن يدخل على خطها من لا يريدون لهذا البلد الأمن والاستقرار، والتي إن حصلت، فسيصاب بشظاياها الجميع.
ومن هنا، فإننا نجدد الدعوة الى ضرورة لقاء إسلامي ـ إسلامي، مقدمة للقاء وطني جامع، لدرس كل السبل الآيلة الى وأد أي فتنة قد يخطط لها البعض. في الوقت الذي نعيد تأكيد ضرورة الخروج من الخطاب الانفعالي المثير للحساسيات والعصبيات وحماية الجيش وإبعاده عن الصراعات الداخلية، ليبقى صمام أمان هذا البلد".

واضاف: "إننا ندق ناقوس الخطر، لأنه إذا لم تستطع القوى السياسية أن تقوم بالدور المطلوب منها وطنيا وأخلاقيا، ولم تسع إلى إعادة تنشيط المؤسسات السياسية والأمنية والقانونية وإعادة الاعتبار إليها، وبقي كل طرف يغرد في موقعه ولحساباته الخاصة أو الطائفية أو المذهبية، فإن الفوضى ستكون هي العنوان الذي قد يأكل الأخضر واليابس عندنا، والكثيرون جاهزون لذلك".

وختم: "علينا، في الوقت نفسه، ألا ننسى أو نتناسى خطر العدو الصهيوني الذي لا يتوانى عن ممارسة المزيد من الاعتداءات على الأجواء اللبنانية وعبر الحدود الفلسطينية المحتلة، حيث الجميع مدعوون الى معالجة هذا الخطر وكل تداعياته.
أيها المعنيون جميعا، أيها المسؤولون، أيها اللبنانيون: إن الانقسامات هي التي تفسح المجال للعدو وللآخرين للتسلل إلى واقعنا والعبث بأمننا وسلامنا الداخلي، فتعالوا لردم الهوة عبر الحوار الموضوعي البناء ليسلم البلد ويسلم أمنه ومستقبله".
  

السابق
عسيران: للحيطة والحذر حتى لا تحقق اسرائيل اهدافها
التالي
الاطلسي لا يخطط لعملية في سوريا “في الوقت الراهن”