الشرق الأوسط: هدوء حذر يعم طرابلس بعد اشتباكات عنيفة في أحيائها

خيم هدوء حذر على مدينة طرابلس، شمال لبنان، أمس، بعد ليلة من الاشتباكات العنيفة. وبدا واضحا توجس الأهالي من تجدد المعارك في أي لحظة بين الجيش اللبناني والمجموعات المسلحة، التي عادت لتظهر ولو بشكل محدود داخل الأسواق، رغم الانتشار الكبير للجيش وقوى الأمن الداخلي.

وأعلنت قيادة الجيش اللبناني، في نداء وجهته إلى اللبنانيين أمس، اتخاذ وحداتها "سلسلة تدابير أمنية حاسمة في طرابلس وصيدا وبيروت والبقاع وجبل لبنان، وستكون عملياتها رادعة ومتشددة"، داعية المواطنين إلى "التنبه لما يحاك من مخططات لإعادة لبنان إلى الوراء واستدراجه إلى حرب عبثية، وإلى الحذر من الإشاعات الكاذبة والتضليل الذي تمارسه بعض الجهات السياسية والدينية".

وشددت قيادة الجيش على أن "الجيش مزمع على تنفيذ خطته الأمنية في طرابلس مهما كلف ذلك، ليس على محوري باب التبانة وجبل محسن فقط، إنما أيضا في كل بقعة يراد منها أن تكون محور قتال بين أبناء المدينة الواحدة، وهو تدخل في صيدا بقوة أيضا لمنع استثمار تطورات سوريا، وفي بعض أحياء جبل لبنان".

ودعت المواطنين إلى "عدم الانجرار وراء مجموعات تريد استخدام العنف وسيلة لتحقيق أهدافها، والتجاوب مع تدابير الجيش لما فيه مصلحتهم ومصلحة لبنان"، محذرة من أن "استعمال السلاح سيقابل بالسلاح ولن ندخر جهدا لتجنيب الأبرياء ثمن غايات سياسية وفئوية تريد خراب لبنان".

وفي طرابلس، بقيت المحال التجارية مغلقة، كما المدارس والعديد من المؤسسات تحسبا من مفاجآت المسلحين، كما أعلنت بعض المساجد التي شهدت مناطقها اشتباكات، عن عدم استقبالها للمصلين ظهر الجمعة، نظرا للظروف الاستثنائية التي تمر بها المدينة.

وشهد ليل أول من أمس اشتباكات عنيفة في مناطق الأسواق الأثرية القديمة، وطلعة الرفاعية، وقرب قلعة سان جيل الصليبية التاريخية، بين مجموعة من آل النشار، ينتمون للحزب القومي السوري الاجتماعي، وشبان مسلحين آخرين يناصرون المعارضة السورية، استمرت ما يقارب 4 ساعات، أسفرت عن وقوع قتيل على الأقل وعدد من الجرحى.

وأثمرت مفاوضات مكثفة أجريت، بإقناع آل النشار بإخلاء مكاتبهم وتسليمها للجيش. واستمرت أعمال القنص، ولو بوتيرة خفيفة، بين جبل محسن وباب التبانة. ولجأ الجيش إلى استخدام القنابل المضيئة في الليل للكشف عن أماكن وجود القناصة، الذين باتوا إحدى المعضلات المزمنة.

جدير بالذكر أن الجولة الجديدة من العنف في طرابلس تأتي ضمن سياق المعارك التي تشهدها المدينة منذ ما يقارب الأسبوعين، والتي حصدت 40 قتيلا وما يناهز 300 جريح.
وخرجت الاشتباكات أول من أمس عن نطاقها المحدود والمعتاد، في الضاحية الشمالية لطرابلس، بين جبل محسن وباب التبانة، لتطال قلب المدينة ووسطها التجاري، للمرة الأولى منذ مايو (أيار) 2008، وهو ما استدعى خطة أمنية شاملة ينفذها الجيش اللبناني. وقال وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل إنها ستستغرق 48 ساعة، مؤكدا أن "كل من يظن أن الفتنة ستنطلق من طرابلس وتمتد إلى باقي لبنان هو واهم".

في موازاة ذلك، أكدت اللجنة السياسية الشمالية في "الجماعة الإسلامية" "ضرورة وأد الفتنة من خلال إجراء تحقيق شفاف حول مسألة الاعتداء الذي طال بعض أماكن العبادة لكشف ملابسات هذه القضية". كما شددت على "دور الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية من جيش وقوى أمن"، مطالبة إياها أن "تأخذ دورها في حفظ الأمن وتوفير الاستقرار لكل المواطنين على السواء".

وبعد نهار هادئ نسبيا، تجددت الاشتباكات عصر أمس في طرابلس بين مسلحين من آل النشار وآخرين في طلعة الرفاعية، بينما تمكن الجيش اللبناني من إعادة فتح الأوتوستراد الدولي الذي يربط طرابلس بعكار في محلة التبانة، كما أعيد فتح كل الطرق التي كانت مقفلة.

وفي سياق متصل، سأل النائب السابق مصباح الأحدب في مؤتمر صحافي أمس: "ماذا تريدون من الجيش؟! هل تريدونه أن يقف ضد أهله مع جيش الممانعة كما يقولون؟!"، وأضاف: "هل تريدون أن يعتبر كل لبناني رفض تحالف حزب الله وإيران ولا يؤيد تدخلهما في سوريا إرهابيا خطيرا يعمل ضمن المحور الإسرائيلي التكفيري؟!".

إلى ذلك، دعا الرئيس اللبناني ميشال سليمان المجتمع الدولي إلى "وعي خطورة العبء الذي بات يشكله استمرار تدفق النازحين من سوريا إلى حد لم يعد بإمكان لبنان حكومة وشعبا تحمل تداعياته". وشدد سليمان، خلال استقباله سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي بحضور وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عدنان منصور، على "رفض أي تدخل عسكري أجنبي في سوريا"، مؤكدا في الوقت عينه "رفض أي تدخل لبناني في الأزمة السورية".

وأشار سليمان إلى أن "هذا الموقف اتخذته الحكومة اللبنانية، ويحرص على تطبيقه رئيس الجمهورية بالتشاور مع رئيس الحكومة"، لافتا إلى أن "التصريحات التي تصدر أحيانا، ومن أي جهة كانت، لا تعكس الموقف الرسمي اللبناني الذي أرفقته الحكومة اللبنانية بموقف آخر هو استقبال النازحين السوريين".
  

السابق
الحياة: ميقاتي لوقف الانخراط المتمادي في الأزمة…
التالي
الديار: بوتين أرسل طائرات انطونوف الضخمة لنقل الصواريخ بأسرع وقت