المشهد سوداوي بامتياز

أخطر ما في الوضع اللبناني أنه بات يدور في حلقة مفرغة من دون أن يُعرَف أين تبدأ؟

وكيف تنتهي؟

الأحداث تتكرر والعناوين تتشابه والملفات تستنسخ بعضها البعض ولا بصيص نور في نهاية النفق الذي لا يُعرَف أين ينتهي؟

هذا ليس كلاماً في "أدب التشاؤم" بل هو مرآة لواقع ما نحن فيه:

إذا استقالت الحكومة لا إمكانية لتشكيل حكومة جديدة، وتبقى المستقيلة في مرحلة تصريف أعمال إلى ما شاء الله.

إذا انتهت ولاية مجلس النواب لا إمكانية لإنتخاب مجلس جديد، والتمديد هو الخيار المتاح، وهو بدأ بسبعة عشر شهراً ولا شيء يمنع من أن يعقبه تمديد جديد.

إذا انتهت ولاية مدير عام، من خلال بلوغه سن التقاعد، فلا إمكانية لتعيين مدير عام بديل منه فيتم ملء مركزه بالوكالة او بالإنابة أو بالتكليف.

إذا انتهت ولاية سفير فلا إمكانية لتعيين سفيرٍ بديل منه فيتولى المسؤولية مَن يليه مباشرةً إلى أن تُنجَز التشكيلات الديبلوماسية.

تأسيساً على كل ما تقدَّم، كيف تسير الدولة؟

بكل بساطة؟

لا أحد يعرف، فالإستحقاقات تتوالى واحداً بعد الآخر من دون أن يعرف أحدٌ كيفية التعاطي معها، والمواعيد والمناسبات الثابتة لا تتغيّر، ومع ذلك لا أحد يعرف كيف يقاربها:

فمسألة تشكيل الحكومة ضائعة بين إصرار الرئيس المكلَّف وبين السقوف العالية للشروط، وبين الأوضاع الإقليمية التي تزداد صعوبة وتعقيداً يوماً بعد يوم.

أما مسألة الإنتخابات النيابية فإنها دخلت في غيبوبة طويلة في ظل العجز عن إنتاج قانون جديد، وفي ظل اعتبار ان التمديد هو أهون الشرور.

وتبقى مسألة الوضع الأمني المتدهوِر، والمتنقِّل سواء في طرابلس أو في صيدا أو في البقاع ومن عرسال إلى الهرمل، فهذا الوضع كيف بالإمكان السيطرة عليه؟

طرابلس باتت في "عهدة" قادة المحاور، وهي التسمية التي كانت معروفة في زمن الحروب والميليشيات. لم يعد سياسيو المدينة يمونون على هؤلاء، لذا فإن التطورات فيها خرجت عن السيطرة وباتت في عهدة "قادة الشارع"، وعليه فأيُّ مستقبل يُرتجى للمدينة؟

وما يُقال عن طرابلس يكاد ينطبق على صيدا، فعاصمة الجنوب تخرج من قطوع لتدخل في قطوع آخر، وتكاد تلتحق بطرابلس لجهة الفلتان الذي يصيبها بوتيرة متصاعدة. أما الجغرافيا الممتدة من عرسال إلى الهرمل فالحديث عنها لا ينتهي، فهذه المنطقة تحوَّلت إلى منطقة عسكرية بامتياز لأنها موضوعة تحت رقابة مشددة خصوصاً انها أصبحت "العمق الحيوي" للأحداث في سوريا، ويخشى المتابعون أن يتفاقم الوضع في تلك المنطقة قياساً على تفاقم الوضع في سوريا.

هذه الصورة السوداوية لا تجد مَن ينفيها. وفي الاساس لا إمكانية لنفيها لأنها دخلت في صلب الحياة اليومية للبنانيين الذين لا يرددون سوى قول:

"المهم ألا يكون الآتي أعظم".

السابق
مشروع العبارة ــ المؤامرة
التالي
كُبرى العقبات أمام الحل السياسي