الحسم الذي استبق اجتماع جنيف بساعات

وضع "حزب الله" كل ثقله العسكري الى جانب النظام السوري من اجل استعادة مدينة القصير التي يخوض الحرب فيها منذ اكثر من شهر وكانت تحت سيطرة الثوار السوريين قبيل انعقاد اجتماع اميركي روسي في جنيف امس الاربعاء من اجل البحث في سبل انعقاد مؤتمر جنيف 2، في ما يفترض ان يعزز الموقف الروسي اكثر للضغط من اجل شروط لمصلحة النظام ولي ذراع القوى الدولية الداعمة للمعارضة السورية. لا تنهي معركة القصير الحرب في سوريا بل هي جولة من جولاتها الكثيرة تماما كما كانت معركة بابا عمرو في حمص بالنسبة الى النظام لدى محاولة اعداد اول قرار في مجلس الامن حول سوريا. لكن توقيت الحسم لا ينفصل اطلاقا عن الاجتماع التحضيري لمؤتمر جنيف 2 خصوصا انه كان مقدرا الا تأخذ معركة القصير كل هذه المدة مع جمع النظام والحزب قواهما العسكرية من اجل استعادة المدينة منذ انطلق الكلام على مؤتمر ثان حول سوريا. ويأتي هذا الحسم على اثر تصعيد روسي في الاسبوعين الاخيرين على نحو اكتسب دلالات كبيرة بالنسبة الى مراقبين ديبلوماسيين سجلوا استقواء روسيا على الولايات المتحدة والدول الغربية في هذا الاطار. اذ ان روسيا عطلت الاسبوع الماضي مشروع بيان عن مجلس الامن الدولي يدين حصار النظام السوري للقصير في عز الاتصالات والمساعي من اجل عقد مؤتمر جنيف 2 كما توج هذا التصعيد مواقف اعلنها قبل يومين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالذات على اثر نتائج القمة الروسية الاوروبية بدا فيها متحديا للغرب ولو في مواقف متناقضة كليا للقيادة الروسية. ولاعلان بوتين اهميته نظرا الى ما يظهره التزام الرئاسة الروسية المسألة السورية في مقابل عدم التزامها من الرئاسة الاميركية وترك وزير الخارجية جون كيري يقود الجهود من دون دعم ضاغط من ادارته مما يخفف سلطته او اتخاذه قرارات قوية خشية تعرضه لانتقادات من البيت الابيض. وهذه الخاصرة الاميركية الرخوة استفاد منها بوتين ليعلن "ان لا تراجع عن تسليم بشار الاسد صواريخ اس 300" مبررا الامر بالمعزوفة الروسية من ان "صادرات الاسلحة تجري وفق عقود شفافة ولا تنتهك القواعد الدولية" ومنتقدا بقوة القرار الاوروبي رفع الحظر عن مد الثوار السوريين بالاسلحة كما احتمال نقل صواريخ باتريوت الى الاردن. اذ تبيح موسكو لنفسها مد النظام باسلحة استراتيجية خطيرة، ولو ان ذلك يدخل في اطار المساومة مع الولايات المتحدة التي لن تقبل تسليم هذا النوع من الصواريخ الى سوريا كما رفضت تسليم روسيا صواريخ مماثلة لايران قبل اعوام خصوصا ان النفوذ في سوريا بات لايران ومن غير المستبعد ان تنتقل الصواريخ بين البلدين بموجب قانون الاوعية المتصلة بين البلدين. وذلك في الوقت الذي تتهم فيه موسكو الدول الغربية "بانها تكدس الاسلحة في منطقة متفجرة" تعليقا على تسليم الاردن صواريخ ارض جو من طراز باتريوت. وقالت الخارجية الروسية على نحو لافت "انه لا بد من ان نلاحظ ان الاسلحة تنشر على مقربة من سوريا التي تشهد نزاعا مدمرا منذ اكثر من سنتين" تزامنا مع ارسالها صواريخ استراتيجية الى سوريا نفسها.

وتستقوي روسيا اكثر بالتطور لمصلحة النظام في القصير ووصله الطريق الى حمص وحماه والمناطق التي يمكن ان ينكفئ اليها الرئيس السوري في حال اشتداد الضغط عليه وفق سيناريوات تحدثت عن انشاء كيانات مذهبية من اجل ارغامه على الرحيل بحيث يمكن ان تستخدم موسكو هذه الورقة المهمة من اجل تحذير الغرب من اجل عدم الدفع نحو التقسيم الذي يصبح محتملا في حال اضطر الاسد الى ذلك. وبما ان الولايات المتحدة والغرب لا يريدون التقسيم ولا يحبذون على الارجح انكفاء روسيا ايضا الى موطئ قدمها في طرطوس والمدن الساحلية السورية فان الامر يشكل عاملا ضاغطا على الغرب في المفاوضات في جنيف 2.

التطورات نفسها قد تحفز في رأي مصادر مراقبة الغرب في اتجاه تنفيذ قرار تسليح المعارضة السورية من اجل ارساء توازن على الارض بينها وبين النظام علما ان المواقف الاميركية والاوروبية بدت ضعيفة امام تصميم الروس وايران على مساعدة النظام واعتماده على "حزب الله" من اجل اعادة السيطرة على القصير. وهذا الضعف بالذات هو الذي اتاح للنظام تجاوز خط احمر بعد اخر من دون اي رد فعل رادع بما في ذلك الجدل الاوروبي الاميركي حول صحة استخدام النظام اسلحة كيماوية ضد شعبه في الايام الاخيرة.

السابق
القتال تحت “راية الحسين”!
التالي
القصير: نصر الله قلب المعادلة