الحريري ومهلة الـ 48 ساعة

عندما أطلق المدير العام لقوى الأمن الداخلي السابق اللواء اشرف ريفي من طرابلس مواقف وُضعت في خانة التصعيد، كان الوضع في المدينة يقترب من نقطة اللّاعودة.

على رغم بعض التأويل الذي قوبل به كلام ريفي، لم يكن هدفه التحضير للخروج عن سلطة الدولة، خصوصاً أنّ قائله كان طوال تسلّمه مهماته الأمنية قبل العام 2005 وبعده، أحد الوجوه التي عزّز وجودها في الكادر الأمني والسلك العسكري هيبة الدولة وسلطتها، في كل الملفات التي تسلّمها، أولّها ملف "فتح الإسلام" الذي اتخذ فيه القرار بالقضاء على تلك الظاهرة التي أُلبست في دمشق لباس الإسلام المتشدّد.

ولن ينسى أحد أنه وفي وقت كان ريفي يدير في مقرّ قيادة قوى الأمن اقتحام شقق "فتح الاسلام" في طرابلس، كان الشهيد وسام الحسن يتولّى في شارع المئتين عملية الإقتحام.

العودة بالذاكرة الى الوراء في هذا الملف ضرورية جداً لفهم أسباب مواقف ريفي الأخيرة، التي هدف منها الى إطلاق رسالة تحذير من طرابلس بأن استمرار الوضع على ما هو عليه بين جبل محسن وباب التبانة سيؤدي إلى فقدان السيطرة على المدينة، وأن تيار "المستقبل" لن يتمكن بعد هذه الجولات المتكرّرة من الاعتداءات المبرمَجة من ضبط الشارع، خصوصاً المتشددين الذين يتكاثرون وتموّلهم جهات معروفة للرد على حلفاء النظام السوري و"حزب الله" في جبل محسن.

لم يكن مستغرباً بعد كلام ريفي، الرد عليه بأشكال شتى. تارة بإطلاق حملات على وسائل التواصل الإجتماعي تذكره بأنه اشتاق لرفيق الحريري ووسام الحسن، وتارة أخرى بإثارة مواكبته الأمنية الكبيرة التي احتفظ بها على رغم عدم التمديد له على رأس قيادة قوى الأمن الداخلي.

تلك التسريبات تعكس ازدياد حملة التهديدات، خصوصاً أنها لم تطاول ريفي وحده، بل طاولت أيضاً الحراسات المخصصة لقضاة المحكمة الدولية، وهي قضية لا تثار إلّا لتعود وكأنها تذكّر بسحب الحراسة من الرئيس رفيق الحريري قبل اغتياله.

الواضح أن الحملة على ريفي كانت هذه المرة استباقية، فالرجل معروف بقدرته على ضبط الشارع الطرابلسي، وما قام به في هذا الإطار كبير، إلّا أنّه بات يجد أن استمرار "الحزب العربي الديموقراطي" في إشعال الجبهة، كلما طُلب منه ذلك، لن يمرّ مرور الكرام هذه المرة، خصوصاً أنّ مجموعات سلفية متشددة قد بدأت بالفعل تعدّ العدة للرد على جبل محسن بنحو مختلف عن المرات السابقة، وهذا ما دعا الرئيس سعد الحريري الى الاتصال العاجل بالمسؤولين لتفادي الأسوأ.

الأبرز في اتصالات الحريري كان الكلام مع قائد الجيش العماد جان قهوجي، حيث صارحه الحريري بأن الامور ستكون خارج السيطرة في طرابلس خلال 48 ساعة، إذا لم تُنفّذ خطة أمنية تقفل جبهة باب التبانة وجبل محسن الى الأبد.

بعد هذه الاتصالات أخذت الامور منحى جديداً، من خلال الإجراءات التي اتخذها الجيش وتطورت الى محاولة إزالة المتاريس والدشم في التبانة وجبل محسن، مع ما يعنيه ذلك من قطعٍ للطريق امام معركة كبرى كانت ستحصل في طرابلس لا تُعرف نتائجها.

ويبقى السؤال: هل يمهد ما حصل في طرابلس لنزع فتيل الانفجار الحتمي من المدينة؟ أم أنه يبقى مجرد تنفيسة معركة مقبلة؟ الأرجح أن الحريري سيطرح موضوع نزع السلاح من كل المدينة، مع معرفته بأنّ هذا الطلب ليس مطروحاً لدى المعنيين، بسبب رفض القوى العلوية في جبل محسن نزع السلاح، لأنّ له وظيفة يقوم بها.

في المقابل يجد الحريري أن فتيل جبل محسن يهدّد طرابلس بخطر آخر، وهو خطر إمساك القوى المتشددة للشارع، خطرٌ يستلزم التحذير من استمرار ترك هذه الجبهة مفتوحة تحت طائلة الانتقال الى وضع آخر إذا تعذّرت الحلول الحاسمة.

السابق
موسى: المطلوب من الجميع ألا يكون هناك مجال للاحتكاك بين اللبنانيين
التالي
الفيضانات تهدد الالاف في ألمانيا