جرحى القصير مقابل بعلبك

في القصير السورية، مئات الجرحى من المدنيين والجيش الحر. القصف المستمر والغارات الجوية المتواصلة، لا ترحم أحداً، ولا تُميّز بين مدني وعسكري. المطلوب سقوطها قبل أن تسقط الأساطير وتنتهي البطولات، في بساتينها وأحيائها وشوارعها التي تحوّلت إلى متاريس وأنقاض. كُتل إسمنت وراءها من يُقاتل ومن يحتمي من الرصاص ومن لم يستطع النجاة من النار. مئات من الجرحى في انتظار إسعافهم، مصيرهم بيد من يحاصر المدينة منذ أسابيع.

المعارضة السورية، تُريد إجلاء الجرحى، عبر تأمين ممر آمن لهم. هذا ما يرفضه النظام السوري، قال لحزب الله: لن يخرج من المدينة أحد. هذا الكلام سمعه الحزب بعد اتصالات مع النائب وليد جنبلاط بهذا الخصوص. لكن، جنبلاط حلقة من الحلقات الكثيرة التي تعمل عليها المعارضة من أجل منع تفاقم الأمور إنسانياً في المدينة، ومن أجل الحد من مخاطر ما قد ينجم عن رفض فتح خط إنساني أمام الجرحى.

يقول جنبلاط لـ"المدن": (رئيس الائتلاف السوري بالإنابة) جورج صبرا اتصل بي وسألني إن كان بالإمكان القيام بشيء ما من أجل الجرحى في مدينة القصير، فتحدثت مع اللواء عباس ابراهيم والحاج وفيق صفا. لكن الأسد قالها بوضوح: يريد أن يتخلّص من الجميع في المدينة، مدنيين وعسكر وهو أبلغ (الامين العام للامم المتحدة) بان كي مون أنه يُخرج الجرحى شرط أن يخرج المسلحون معهم!. يضيف: أبلغت صبرا هذا الكلام، كما نقلت إليه ما قاله صفا من أن هناك طريقا "فلتانة"، يعبر منها المدنيون، فليستخدموها للجرحى. أمّا القول أني تحدثت مع النصرة فهو لا يستحق التعليق أصلاً. وموقفي واضح في هذا السياق. يختم جنبلاط
المعادلة التي يتحدث عنها الجيش الحر أخطر بكثير، ولا تعني النظام بقدر ما تعني حزب الله. لكن، هل بيده حيلة؟ أو هل لديه النيّة أساساً؟. واقع الحال، لا يوحي بالإثنين معاً. إلا أن التهديد الذي وصل من الجيش الحر إلى الحزب، يفيد: تأمين معبر إنساني للجرحى مقابل تحييد بعلبك والهرمل عن هجمات مقاتلي المعارضة السورية المسلّحة. معادلة الحر: المدنيون وإلّا سننقل الصراع إلى العمق البقاعي!

على هذا الأساس، تحرّك جنبلاط أولاً فلم يجد تجاوباً. وعلى هذا الأساس أيضاً، تحرّك صبرا تجاه رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي لم يرد على رسائل واتصالات صبرا (الذي عاد وأدلى بتصريح متلفز موجّه لبري بالتحديد ناشده التدخل إنسانياً في القصير). تقول مصادر المجلس، وتُضيف: الأمور ستخرج عن السيطرة وما حاول القيام به صبرا هو تلافي دخول البلدين في أتون صراع حدودي سيمتد وسيلحق الأذى بالجميع، لأي جهة انتموا. يكفي أن الحزب يقاتل في قلب سوريا، فهل يريدون الجيش الحر أن يقاتل في قلب لبنان؟ تسأل المصادر. وتشير إلى أن "الصليب الأحمر الدولي حاول التواصل مع النظام من أجل نقل الجرحى إلّا أن النظام لم يسمح لهم بالدخول لإخلاء الجرحى".

لم يقف تحرّك صبرا بعد رفض بري التجاوب معه والنداء الذي وجهه إليه. اتصل بقيادات سياسية عديدة، بعضها، الداعم للثورة السورية، أبدى أسفه لما يحصل وسأل عمّا يمكن القيام به في هذا المجال، فرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع استنكر سريعاً والرئيس سعد الحريري مُستعد لأي خطوة تصب في اتجاه تأمين الجرحى والضغط من أجل إنهاء معاناتهم.

البعض الآخر، المحايد، وعد بمتابعة الموضوع مع حزب الله. رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي يعود الأربعاء من الخارج، ليتواصل مع الحزب من أجل إيجاد حلّ لهذا الأمر. رئيس الجمهورية ميشال سليمان، عبر مصادر مقربة منه، وعد ببذل ما يُمكن من جهود كي "لا تتطور الأمور أكثر، خاصة وأن المطلوب من قبل المعارضة يأتي في الشق الإنساني ولا يدخل في السياسة والانقسام الحاصل حول الأزمة السورية".

المعارضة السورية، أجّلت إصدار الجيش الحر لبيان يحوّل فيه القتال إلى داخل الحدود اللبنانية، كي تسلك الأمور الطرق السياسية تلافياً للمحظور. هذا لن يطول، طالما أن النظام السوري لا يريد "أحياء" في القصير. وطالما أن حزب الله، حاول ولم يفلح، إلّا بالإشارة إلى طرق آمنة يُمكن سلوكها.

عليه، المقبل من الأيام، على اللبنانيين لن يكون سوى أسوأ من واقع حالهم الآن. الضرائب، كبيرة جداً.

السابق
هدوء حذر في طرابلس والجيش يسير دوريات مؤللة وراجلة
التالي
روسيا كذبت الأسد وتلاعبت بأميركا!