تلبننَ العرب، وتعربَ لبنان

قبل التمديد للمجلس النيابي كانت الـ"ديموقراطية" اللبنانية قد تلقت ضربة في صميمها، عندما فُرض على المواطنين الإبقاء على سلاح "حزب الله"، بعد التحرير العام 2000؛ وكانت الحجة وقتها صافية: "لا تسليم للسلاح قبل تحرير فلسطين والقدس". فمُدّد لهذا السلاح الى ما شاء الله، مثل القدس وفلسطين… وكانت أضرار هذا التمديد على "الديموقراطية" اللبنانية يومية، تجمع كل وقائعه على سطو دؤوب للسلاح على تفاصيل هذه الديموقراطية وتعبيراتها المختلفة. كان عنوان هذا الملف "فلسطين" و"كامل التراب"، عنوانا عربيا باستراتيجية ايرانية.
ثم أتت الهزيمة الأخرى، على يد "نواب" الأمة، هؤلاء الذين انتهت ولايتهم فوجب عليهم التوجه نحو الناخبين ليعودوا فيقرروا… إن كانوا جديرين بالعودة الى القبة البرلمانية أم لا…. أو هكذا يفترض، وبصرف النظر عن الغش الطائفي وغير الطائفي. اما حجتهم في استيلائهم على البرلمان، فلا تختلف نوعياً عن حجة "السلاح": يمددون حفاظا علينا وعلى أرواحنا، بسبب اضطراب الوضع الأمني، الناجم عن الحرب في سوريا…. الخ. بمعنى انهم لن يعودوا ويسلموا الامانة الا اذا عاد "الوضع الأمني" الى طبيعته. وبما ان هذا "الوضع" لن يعود الى طبيعته قبل سنوات، وليس شهرا وسبعة اشهر فحسب، فهذا يعني ان النواب باقون باقون باقون الى ما يشاء الله ايضاً؛ خصوصا اذا فكرنا لحظة واحدة بأن هذا "الوضع" قد يبقى مضطرباً بعد السنة وبضعة أشهر، والأكيد ان النواب الحريصين على حياتنا ومضالحنا سوف يعودوا ويمدّدوا وبروح رياضية….
في بداية الثورات العربية، منذ عامين فقط، ادعى اللبنانيون بجناحيهم، بأن لهم نصيبا منها. فلولا تجربتهم التاريخية نفسها وثورات الارز وفلسطين… لما صحا العرب، لما طالبوا بالديموقراطية والكرامة… هكذا كانوا يعتقدون. بعد ذلك، ارتدت مآلات الثورات الثوب اللبناني الأقل ادعاء: ثوب الحرب الطائفية والفوضى وتضعضع الدولة والسلاح… أو، بالأحرى كل مكونات السياسة اللبنانية، المكونات الصافية الصامدة الراسخة. ثم بلغنا المرحلة الراهنة، حيث تجمعت كل مقومات الاستبداد العربي، وتجسدت في شعلة التمديد لنواب البرلمان, هكذا يتعرّب لبنان، بعدما تلبْنَنَ العرب؛ مثلهم يقاوم بميوعة فائقة اغراءات الاستبداد. تلبْنَن العرب برهة، ثم عاد لبنان فتعرّب بدوره؛ تلك هي المحصلة غير النهائية، حتى الآن، للثورات العربية.
إبحثوا في طبيعة نظامكم الطائفي، يردّ كل صاحب عقل على ترهات ديموقراطيته. طبعا لا يسعنا غير ادانة هذا النظام. كنا صابرين عليه، لأنه باعتقادنا، هو الذي خلق مجالات الحرية. هو الذي ارسى قواعد وبرلمان وهيئات الخ. ديموقراطية طائفية صحيح، ولكن فيها اوكسيجين، يمكنك ان تتنفس في داخلها. اما الآن، فحتى نسيم الانتخابات المغشوش وقوانينه المستبقة لنتائجه… حتى هذا لن يعود بمتناولنا.
كان نظاما طائفيا مزدهرا وانسانياً، نحنّ الى ايامه الذهبية، الى شخصياته وشعارته الساذجة. وكاد ان يوصل اللبنانيين الى مصاف اصحاب دولة وقانون الخ. فتدلل اللبنانيون عليه وامعنوا في تسخيفه واستنزاف اوجهه "الديموقراطية" حتى بلغوا ما هم عليه الآن: شعب ودولة عطلها القيمون عليها، وسطوا على هيئته التشريعية بالـ"قانون"، وليس بتجاهله… وشعب سائب، موزّع على أضيق الولاءات، وعلى امتداداتها الاقليمية، ليس بريئاً، كما نتصور بثقافتنا الشعوبية العميقة؛ انه يقوم بدور، او أدوار، وهو راض عنها، بل احيانا راكضا خلفها، وبحماسة صاحب قضية. الخلاصة، لا تقع اللائمة وحدها على هؤلاء "المسؤولين"، الذين وفقوا بشعب يشتمهم ليلاً، خلال نشرة الأخبار خصوصاً، ويجدد لهم البيعة نهاراً… شعب عجيب، لا يشبه "مسؤوليه".

السابق
نداء لشخصيات شيعية: مواجهة التحديات واحتواء المخاطر ببناء الدولة
التالي
دبلوماسيون: أنقرة تقول لواشنطن أن تركيا ليست ديموقراطية من الدرجة الثانية