الحريري يفتح النار على الجيش

48 ساعة هي المهلة التي أعطاها النائب محمد كبارة للجيش للقيام بمهماته، قبل أن تضطر طرابلس إلى «الدفاع عن نفسها». رسالة تحمل في طياتها تهديداً واضحاً لهذه المؤسسة وقائدها، بعدما وجد تيار المستقبل في هذه المدينة ساحة مثالية لبدء معركة جديدة

حذّر النائب محمد كبارة، أمس، المؤسسة العسكرية من أن «طرابلس ستضطر إلى الدفاع عن نفسها في حال استمرار الجيش في التقاعس عن القيام بواجبه في حماية أهلها». بدايةً، يجب التذكير بأن نائب الأمة هذا ينتمي إلى كتلة المستقبل النيابية، «المُدافعة» الأولى عن مؤسسات الدولة، في وجه ما تسمّيه «دويلة حزب الله». وهي تشكّل رأس حربة ضد النظام السوري والحزب، كما أن «أبو العبد» كبّارة يتمتع بحيثية شعبية طرابلسية بمعزل عن تيار المستقبل. فضلاً عن صلته الوثيقة بقادة المجموعات المسلحة في التبانة والقبة والمنكوبين.

تصريح كبارة، أتى مكملاً لموقف رئيس تياره النائب سعد الحريري، الذي رأى أن على «الجيش أن يتحمل مسؤولياته في حماية المدينة». وما جمع الرجلين ليس صدفة. ربما في تصريح كبارة شيء من تجميع النقاط الشعبية قبل عام ونصف عام من الموعد المفترض للانتخابات النيابية، لكن المؤكد أن الدفاع عن هيبة الدولة، لم يعُد هو «الحجر» الوحيد الذي يستهوي «الزرق» للعب به. يقول أحد خصوم تيار المستقبل: «إذا أردت أن تعرف الطاولة التي يجلس عليها سعد الحريري للمقامرة، انظر إلى طرابلس، فليس له في خارجها خزّان بشري واحتياط استراتيجي». من هناك «بدأ الحريري عملية الثأر من حلفاء الأمس الطرابلسيين لردّ الصاع صاعين». ومن هناك أيضاً «استغل فيض العواطف والتعبئة لاستعادة الشارع السني». تبدو المسألة عنده شخصية. وتبدو طرابلس ساحته المثالية. فمنذ إخراجه من السرايا الحكومية عام 2011، لا يزال يبحث عن ثغرة يخترق عبرها إلى جدار الإسلاميين الذين تنامى دورهم انطلاقاً من دعمهم للمعارضة السورية ومن المواقف السياسية التحريضية ضد سلاح حزب الله والمشروع الإيراني. وهو لم يجد إلى ذلك سبيلاً سوى بالمزايدة السياسية. وفي الوقت الذي كان يتعرّض فيه لانتقادات من قبل كوادر تياره المتحمّسين لترجمة اعتراضهم في الشارع، تفوّق عليهم بنشاز الخطاب التحريضي. لكن هذا الخطاب سرعان ما بدأ يأخذ منحى آخر، سالكاً «الطريق الخطأ» باتجاه الجيش. فلم يعُد هناك من فارق في النبرات والأدوار والمضمون بين الجناحين الأزرقين: المعتدل المتمثل بنواب المستقبل، والمتطرف الذي كان يحتكره نواب الشمال، من كبارة وخالد الضاهر إلى معين المرعبي، الذين اعتبروا أن الحريري كاد يتخلى عنهم في أحرج الأوقات. اليوم، كلّهم في مركب واحد، ولا تناقضات بينهم. وحّدوا جبهتهم للتفوق على المجموعات المسلحة المتفلّتة، التي كادت تسحب البساط بأكمله من تحت أقدامهم، بعدما كان المستقبل جزءاً من السلطة الآمرة الناهية في بيئة المدينة.
حالتان طفتا على وجه المياه الطرابلسية، ما استدعى إجراءات جذرية في سياسة من يرى نفسه «الزعيم السنّي الأول». اقتنع، أخيراً، بأن «سنّيته» هي الوحيدة القادرة على تصحيح الاعوجاج الذي أصاب تياره. الأولى، هي الأحداث السورية، التي أعطته ذريعة جديدة للهجوم على حزب الله، والثانية المعارك الطرابلسية التي جعلت من الجيش، بالنسبة إلى بعض القابضين على رقبة طرابلس، عدواً تجب محاربته. دخل إلى حلبة الصراع كطرف نزاع مع الجيش اللبناني، ووصل به الأمر إلى حد تهديده، لإظهار نفسه بمظهر حامي الطرابلسيين أكثر من الموجة السلفية التي تجتاح الوجدان السنيّ، وتحاكي هواجسه. يعتبر خصومه أن «تصريحات الحريريين الأخيرة، وفي طياتها كل الملح والبهار المطلوب جماهيرياً، تحمل رسالة تهديد واضحة إلى الجيش المطعّم عكارياً وطرابلسياً، وإلى قائده العماد جان قهوجي، وتحديداً في ملف التمديد له». ويذهب هؤلاء في رصدهم للخطاب المستقبلي أبعد من ذلك. يفسّرونه على أنه «عودة إلى حالة العداء السنية لمارونية الجيش، مع تعديل بسيط في النظرة إلى هذه المؤسسة التي تُتّهم بشيعيتها». ولأن التيار الذي وجد نفسه، فجأة، بعد تزعّمه للطائفة السنية منذ عهد الرئيس الشهيد رفيق الحريري، في منافسة مع من يعتبرون أنفسهم كبار الإسلاميين من الجنوب إلى الشمال، فهو لن يخاطر في الوقوف إلى جانب هذه المؤسسة. وكي لا يمتعض جمهوره من دعوته إلى دخول المدينة والضرب بيد من حديد، حوّل خطابه إلى نقمة على الجيش الذي «يفشل في ضبط الأمن في المدينة».
لطالما أفردت كتلة المستقبل في بياناتها الأسبوعية مساحة كبيرة للتأكيد على «دور الجيش، بصفته الجهة الوحيدة التي من حقها حمل السلاح وبسط الأمن والدفاع عن جميع اللبنانيين». مطولات شعر طالما ألقاها نواب المستقبل في مديح عناصره وضباطه، تبخّرت كلّها مع دخان طرابلس المتصاعد. فلم يعد لهذه المؤسسة في بيان الكتلة، سوى أسطر تدعو إلى محاسبة العناصر المقصرة في حماية أهالي طرابلس، تسقط سهواً بين مواقف الكتلة من قتال حزب الله في سوريا، والتمديد لمجلس النواب، والتوتر والشحن السياسي الذي يعد المستقبل مشاركاً أساسياً في صنعه.
تشرح قيادات «زرقاء» موقف تيارها ممّا يحصل في المدينة. تدافع عنه، انطلاقاً مما تصفه «تواطؤ من قبل بعض قيادات الجيش، لإبقاء الوضع على ما هو عليه». أمس، صدّق تيار المستقبل أن «تحريكه للملف، دفع بالجيش لأن يعيد النظر بسياسته»، ما أجبره على أن «يدخل المدينة لإتمام عملياته وإيقاف عمليات القنص، التي كان من الواجب البدء بها قبل ذلك». تُصر القيادات، على عكس كل ما تتفوه به، على أنها «كانت ولا تزال تقف في الصفوف الأمامية المدافعة عن المؤسسة العسكرية، التي ترى فيها الضامن الأساسي لعدم انفجار الوضع»!

السابق
ورشة عمل عن “نقابات عمّالية ناشطة واتحاد فاعل “
التالي
الخليج العربي وحزب الله