ماذا سيقول ماكين لأوباما عن مدينة القُصير وحزب الله؟

لم يتأخّر البيت الأبيض كثيراً في الإعلان بلسان المتحدّث باسمه جاي كارني أن «كلّ الخيارات بشأن سوريا متاحة أمام الرئيس الأميركي باراك أوباما، بما في ذلك احتمال إقامة منطقة حظر للطيران في سوريا».

هذا التصريح بدا أمس الاول كأنه يأتي من خارج سياق التطوّرات السياسية والعسكرية المحيطة بسوريا.لكنّ إعلان البيت الأبيض في اليوم نفسه أن أوباما ينتظر عودة السيناتور الجمهوري جون ماكين، من جولته في المنطقة ليطلّع منه على أجواء لقاءاته مع أركان المعارضة وقيادات "الجيش السوري الحر"، يعطي هذه المواقف دلالات عدّة.

وتتوقّع أوساط أميركية مطّلعة أن تتبلور في الساعات القليلة المقبلة معطيات تطورات سياسية مهمة، لا سيما بعد كشف الصحافة الأميركية معلومات عن ملفات بارزة تتصّل بالأزمة السورية، كالتورّط العراقي المتزايد وقضية إقامة المنطقة الآمنة وتزويد المعارضة بالسلاح.

وقد حوّلت مراقبة التصريحات الأميركية الأخيرة المعارك الدائرة في "القُصير"، وطريقة التعامل معها، الى "ستالينغراد" سوريا! وحظي ما يجري فيها باهتمام عالمي غير مسبوق، بدءاً بمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وانتهاءً بتصريحات معظم الدول المعنية.

وبالعودة الى مواقف البيت الأبيض، فقد بدا واضحاً أن جولة ماكين مُتّفق عليها مع أوباما، علماً ان للسيناتور الأميركي تأثيراً مهماً في القرار الأميركي، خصوصاً في الملفات الخارجية الساخنة. فهو انتقل من الأردن بعد حضوره اجتماع دافوس، الى سوريا عبر تركيا، مُطلِقاً تصريحات لافتة قبيل لقائه المعارضة السورية.

وكان واضحاً أن أوباما الذي ألقى الأسبوع الماضي خطاباً عن استراتيجيته الجديدة، وعن إقفاله معتقل غوانتانامو وترحيل المعتقلين اليمنيّين الى اليمن، قد كلّف ماكين البحث في هذه القضايا مع من يهمّهم الأمر.

وماكين هو من زار مدينة بنغازي قبيل إعلان الإدارة الأميركية دعمها من الخلف لعملية الإطاحة بالعقيد الراحل معمّر القذافي. وهو من زار القاهرة خلال الثورة، والسعودية قبيل تطبيق اتفاق المبادرة الخليجية في اليمن…

وتقول الأوساط الأميركية إن ماكين الذي عاد الى واشنطن، يحمل معه صورة واضحة عن الوضعين الميداني والسياسي على الأرض السورية، خصوصاً بالنسبة الى دور الجماعات الأصولية وبقية التشكيلات الأخرى.

وتشير تلك الأوساط إلى تغييرات وشيكة على مستوى القيادة العسكرية لـ"الجيش الحرّ"، بشكل يتلاءم والجهود المبذولة في محاولة توحيد
"الائتلاف الوطني المعارض" وتوسيعه.

بدورها، قالت أوساط سياسية قريبة من ماكين أنه تبلّغ بوضوح من قيادة المعارضة داخل سوريا، رفضها أنصاف الحلول، وعدم استعدادها للمساومة في رحيل الرئيس بشار الأسد، من دون أيّ تحفظ على أيّ شكل من أشكال المرحلة الإنتقالية التي يرغب المجتمع الدولي في الإتفاق عليها.

وتعتقد تلك الأوساط أنّ ماكين قد يكون اطّلع على خارطة ميدانية للمعارك الدائرة في شمال غرب سوريا، وخصوصاً في حمص وتحديداً في القُصير، واستحالة تطبيق مشروع الدويلة العلوية، اذا كان هذا ما يطمح إليه النظام مع حليفه "حزب الله" برعاية إيرانية.

بدورها، قالت مصادر في المعارضة السورية في واشنطن أن الثوار أبلغوا الى ماكين أن تهديدات "حزب الله" للبنانيين، ومشروعه بوصل القُصير بمناطق الهرمل وبعلبك في البقاع وصولاً الى الجنوب، لا يعدو كونه مشروعاً انتحارياً غير قابل للتطبيق.

وترى الأوساط الأميركية أن الحديث المتزايد عن التورّط العراقي في سوريا، يمهّد لحركة سياسية أميركية كثيفة تجاه بغداد، قد بدأها نائب الرئيس الأميركي جو بايدن الأسبوع الماضي، عبر اتصاله مع القيادات العراقية.

وتعتقد أن من شأن كشف تلك المعلومات زيادة الضغط على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، في ظلّ ضغوط خليجية على واشنطن حيال هذا الملف تحديداً، نظراً الى انعكاساته عليها ايضاً. وبالنسبة الى المنطقة الآمنة، تتوقّع تلك الأوساط أن لا يطول الأمر، خصوصاً أنّ الرهان السياسي على نجاح مؤتمر السلام في جنيف 2، قد لا يشكّل ضمانة لوقف الحرب، او لحماية المدنيّين على الأقلّ.

من هنا، ترى هذه الأوساط أن أوباما قد يعلن عن هذه الخطوة، سواء عُقد مؤتمر جنيف او لم يعقد! وهذا الأمر ينسحب أيضاً على تسليح المعارضة، اذ تربط تلك الأوساط بين النبرة العالية ضدّ تدخل "حزب الله" في الحرب السورية وتقديم الدعم للمعارضة، بعدما أُفهم الجميع بأن قوانين اللعبة الكلاسيكية في تعديل موازين القوى الميدانية واستغلالها في المؤتمرات الحوارية، ليس له مكان في ما يجري الآن.

بمعنى آخر، إذا كان النظام يعتقد انه يستطيع، عبر إسقاطه القُصير مع "حزب الله"، فرض شروطه السياسية، سواء في جنيف او خلال اللقاء المرتقب بين أوباما ونظيره فلاديمير بوتين، فهو مُخطئ تماماً، إذ إنه لم يجد من يقايضه إياها، وذلك بعد أكثر من شهر على تحقيق "انتصاراته" الميدانية في أكثر من مكان، بل لمس تصاعداً في خطاب استبعاد رأسه من دون أيّ كلل.  

السابق
الأمل بجيلٍ عربيٍّ جديد مثقّف وملتزم
التالي
الخطاب الطائفي يتعارض مع الذكر الحكيم