أزمة النضال النقابي والمطلبي كجزء من أزمة المجتمع اللبناني

ان القراءة الأصوب لواقع أزمة الحركة المطلبية والنقابية العمالية، يجب ان تتم من ضمن قراءة سياق الازمة العامة التي ضربت وما زالت المجتمع اللبناني، كيانا ونظاما ودولة، الى جانب قواه المجتمعية والسياسية والاقتصادية وسائر مؤسساته.
واقع الحركة النقابية العمالية:
أ – محطة التأسيس:
تأسست الحركة النقابية العمالية في لبنان مطلع العشرينات من القرن الماضي، والنقابات الاولى التي تأسست هي:
– أول "منظمة" نقابية (لم تحمل اسم نقابة) هي جمعية عمال شركة سكة الحديد في مدينة بيروت، سنة 1912.
– جمعية لعمال المطابع عام 1914، وتم تأسيس نقابة عمال المطابع 1926.
وكانت الولادة الفعلية مرتبطة بتأسيس حزب العمال العام عام 1921 (حزب الشعب الذي تحول لاحقاً الى الحزب الشيوعي في لبنان) مستندا الى عدد من النقابات: تعاونية الريجي في بكفيا، نقابة عمال المطابع، نقابة عمال سكك الحديد، نقابة الطهاة، جمعيتي النجارين والحلاقين، نقابة عمال زحلة.
ويعتبر "الاتحاد العام لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان" الإتحاد العمالي الاول، إذ تأسس سنة 1939، بقيادة مصطفى العريس "القيادي في الحزب الشيوعي اللبناني".
وفي العهد الاستقلالي خاضت النقابات العمالية ممثلة بالاتحاد العام لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان، أهم معاركها من أجل إقرار قانون للعمل، الذي صدر في عام 1946، "وعلى الرغم من وزنه وفعاليته في ذلك الحين، لم يستطع الاتحاد العام للنقابات في لبنان (اليساري) الحصول على ترخيص رسمي من الدولة بعد الاستقلال، بل ان السلطات قاومت هذا الاتحاد وقمعت نشاطه، وشجعت على قيام نقابات وإتحادات ذات ميول معادية للشيوعية، "إذ ان الاتحادات العمالية التي نشأت فيما بعد لم تكن نتاج تحولات إجتماعية- سياسية على مستوى(الاقتصاد والمجتمع وقطاعات المهن)، وإنما بدت نتاج تحول مصطنع تنحصر أهدافه في منع تبلور إاتجاهات "نقابية راديكالية"، وسترافق هذه السمة مختلف مراحل تطور وتوسع ونشوء النقابات والاتحادات العمالية في لبنان.
ب – الولادة الرسمية للاتحاد العمالي العام:
بعد مخاض طويل من الولادات للنقابات والاتحادات على خلفيات سياسية وإيديولوجية وتدخلات دائمة من الدولة، والسماح والمنع في إعطاء التراخيص من الدولة، لم تنجح المحاولات لتأسيس إتحاد عمالي عام على قاعدة الاستثناء والاستبعاد للاتحادات اليسارية، لقد ولد الاتحاد العمالي العام الحالي، من خلال إحتفال مشترك للاتحادات بمناسبة عيد العمال في 3 أيار 1970، وكان ذلك "أثر إنجازات حققتها الحركة النقابية، لا سيما صدور المرسوم التطبيقي الخاص بفرع الضمان الصحي(16 آذار 1970) وبعد إجتماعات متواصلة عقدها المجلس الاعلى للنقابات، تم الاتفاق عل أن تنضم الإتحادات النقابية الخمسة التي كانت خارج الاتحاد العام، فتصبح جميع الاتحادات الموجودة في لبنان وعددها تسعة إتحادات داخل الاتحاد العام.
ج – توصيف البنية التنظيمية للحركة النقابية: الهيئات والمنظمات التي يتشكل منها الاتحاد العمالي العام، هي:
النقابة- الاتحاد الفرعي(االعام، الجغرافي، القطاعي) الاتحاد العام.
– النقابة: تتشكل النقابة من مجموع العمال والمستخدمين المنتسبين اليها من مهنة او قطاع محدد، والذين يشكلون بدورهم الهيئة العامة للنقابة، والتي تنتخب مجلساً تنفيذياً يتراوح عدد أعضائه، بين 7 أعضاء و12 عضوا.
الاتحاد:
يتشكل الاتحاد الفرعي من 3 نقابات كحد أدنى، ومن مجلس مندوبين يضم 4 ممثلين من كل نقابة، من حيث المبدأ، ومجلس تنفيذي للاتحاد يتم إنتخابه من قبل مجلس المندوبين، كما يوجد بعض التمايزات بين إتحاد وأخر في نسب تمثيل النقابات، بين الكوتا المحددة والواحدة لجميع النقابات وبصرف النظر عن حجمها وهذا الامر ينطبق على الغالبية العظمى من الاتحادات، وبين التمثيل النسبي للنقابات في مجلس المندوبين تبعا لحجم النقابة وعدد المنتسبين اليها. وهنا لدينا تموذجين:
الاول: إتحاد موظفي المصارف الذي يعتمد التمثيل النسبي في تشكيل مجلس المندوبين، على قاعدة كل 100 موظف لهم مندوب، ومن مجموع المندوبين يتشكل المجلس الذي يقوم بدوره في إنتخاب المجلس التنفيذي للإتحاد مع شرط ملزم في تمثيل المناطق، مندوب لكل محافظة (الشمال، البقاع، الجنوب) والباقي لبيروت وجبل لبنان.
الثاني: الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين(اليساري) الذي يتشكل من 18 نقابة، يتراوح تمثيل كل نقابة في مجلس المندوبين بين 3 و7 مندوبين حسب حجم النقابة وعدد المنتسبين إليها، حيث يصل عدد أعضاء مجلس المندوبين الى 107 أعضاء، وينتخب مجلس المندوبين المجلس التنفيذي من 12 عضوا، كما ينتخب مجلساً مركزياً موسعاً حولي 44 عضوا (الذي يشكل حلقة وصل بين المجلس التنفيذي ومجلس المندوبين وصاحب صلاحيات أوسع من المجلس التنفيذي)، ولكن وزارة العمل لم توافق ولم تعترف بالمجلس المركزي.
د – أنواع الاتحادات المنضوية في الاتحاد العام ثلاثة:
1 – إتحاد قطاعي، ويتشكل من نقابات لمهن متشابهة، مثال، إتحاد نقابات موظفي المصارف، إتحاد نقابات المصالح والمؤسسات العامة.
2 – إتحاد عام، ويتشكل من نقابات متنوعة في المهن التي تمثلها ولا رابط مهنياً أو مطلبياً بينها.
3 – اتحاد جغرافي: ويتشكل من النقابات الموجودة في نطاق جغرافي محدد، مثال:اتحاد نقابات الجنوب- الشمال..
الاتحاد العمالي العام:
يضم جميع الاتحادات الموجودة والمرخص لها من وزرة العمل وحائزة على موافقة المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي العام ويتشكل الاتحاد العمالي العام من ثلاث هيئات:
أ- مجلس المندوبين، يتشكل من 4 مندوبين من كل اتحاد عضو في الاتحاد العام، وبصرف النظر عن حجم هذا الاتحاد وعدد المنتسبين اليه، حيث يوجد اتحادات تضم في عضويتها حوالي 150 الى 200 منتسب، وإتحادات ينتسب اليها أكثر من 8000 منتسب.
ب- المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي العام: يتشكل من مندوبين اثنين من أصل الاربعة المنتدبين من كل إتحاد.
مع ملاحظة انه لا علاقة انتخابية بين مجلس المندوبين والمجلس التنفيذي.
ج- هيئة مكتب المجلس وتتشكل من 12 عضو، يتم إنتخابهم من قبل المجلس التنفيذي.
وهذا التشكيل هو ما يعطي الصفة الكونفدرالية للاتحاد العمالي العام.
سمات عامة يتصف بها الاتحاد العمالي العام:
1 – تنظيم كونفدرالي حيث تتمثل فيه الاتحادات بطريقة غير عادلة، بسبب عدم إعتماد النسبية في تمثيل الاتحادات، فالاتحاد الذي يضم في عضويته 100 الى 150 منتسب، يملك في الهيئات المقررة في الاتحاد صوتا موازيا لصوت الاتحاد الذي يضم 8000 منتسب وأحيانا أكثر من ذلك.
2 – ضعف عدد المنتسبين الى النقابات، حيث لا يتجاوزعدد المنتسبين الى نقابات الاتحاد العمالي العام نسبة 7,86 % من عدد الاجراء والموظفين في لبنان، أما عدد المقترعين فلم يتجاوز الـ 5,03(دراسة أعدت عام 2002) والتقديرات الراهنة للمتابعين لتطورات الوضع النقابي وعمليات التفريخ للنقابات، لا تشير الى تطور او زيادة في عدد المنتسبين بل بالعكس الى مزيد من التناقص.
3 – تشير الارقام السابقة الى ان الاتحاد لايملك الصفة التمثيلية للعمال والموظفين، وبالتالي هو قوة غير فاعلة ولا تملك قوة الضغط اللازمة والمطلوبة لتحقيق المطالب.
4 – غلبة للاتحادات المذهبية والهامشية: معظم الاتحادات التي نشأت في العقدين الاخيرين، والزيادة الحاصلة في عددها من 21 إتحاد عشية إتفاق الطائف الى 52 إتحاد اليوم، لم يكن بسبب نشوء قطاعات إقتصادية جديدة عمل العمال على تنظيم انفسهم في نقابات جديدة، او دخول فئات جديدة من العمال والموظفين الى المعترك النقابي، بل نشأت على خلفيات تمثيل سياسي – مذهبي- طائفي، وبقرار وتدخل من وزارة العمل(في مرحلة الانتماء السياسي السوري الذي سيطرعليها) وتنفيذا لوعد قطعه على نفسه، علنا، الوزير المعني انذاك، بشرذمة الاتحاد العمالي العام وإغراقه بالنقابات والاتحادات، بسبب عدم قدرته للهيمنة على قرار الاتحاد، وأصبح عدد الاتحادات المنشأة لتمثيل المذاهب والطوائف (في قطاعات وهمية او هامشية) يفوق عدد الاتحادات التاريخية وذات التمثيل الفعلي أو النسبي لقطاعات حقيقية وفاعلة في الاقتصاد والمجتمع.
5 – إزدواجية الانتساب الى أكثر من إتحاد: كما أن زيادة عدد الاتحادات لا تعكس الزيادة نفسها في عدد النقابات، وذلك بسبب إزدواجية انتساب ذات النقابة الى أكثر من إتحاد وأحيانا الى 3 إتحادات.
ملاحظات:
أود لفت النظر الى الارقام التالية:عام 1973 كان لدينا 15 إتحاد وعدد المنتسبين اليها 49891 عامل وموظف، وعام 2000 بات لدينا 37 إتحاد وعدد المنتسبين 58690 عامل وموظف، أي زاد عدد الاتحادات 22 إتحاد بينما زاد عدد المنتسبين فقط 8799 عامل وموظف، بالرغم من مرور27 سنة و"ولادة 22 إتحاد جديد".
6 – عدم مواكبة المتغيرات في بنية الاقتصاد وسوق العمل:
لن أتوسع في رصد المتغيرات التي أصابت بنية الاقتصاد وسوق العمل، لان هذا الامر يتطلب دراسة قائمة بذاتها، ولكن للدلالة سأشير الى أن هناك العديد من القطاعات قد أصابها شبه إندثار منها، صناعة الغزل النسيج والتي كانت من أنشط القطاعات، وكانت تضم عشرات الالاف من العمال، بينما نقاباتها مازالت موجودة ولانعلم من تمثل؟ ولا من تضم؟، كما نشأت قطاعات جديدة، منها قطاعات المعلوماتية، وحصلت تطورت تكنولوجية أساسية في قطاعات أخرى، أدت الى تغيير بنيوي في العمالة في هذه القطاعات، من يدوية اوشبه يدوية أو ألية، الى اعتماد التكنولوجيا الحديثة وبرامج الكمبيوتر(مثال قطاع المطابع)، ولم يترافق هذا التطور مع متغيرات بشرية في واقع النقابات وأشخاصها.
عدا الضعف الكبير في عدد المنتسبين الى النقابات، وهذا يشمل العمال النظاميين، فإن واقع العمال غير النظاميين وعددهم حوالي 800 ألف عامل، ليسوا محروميين فقط من الضمانات والحقوق التي تنص عليها القوانين، بل هم محروميين أيضا من أي تمثيل نقابي او نقابات تدافع عنهم.
  

السابق
جنبلاط يعمل لتجنب 7 أيار جديد
التالي
صيدا: إخماد حريق «الجبل»