يوم طارت لقمة النيابة من الأفواه الجائعة

يا عرساً لم يكتمل، يا زهرة لم تتفتح، يا بذلة لم نرتدها،يا حلماً يا نمرة زرقاء، يا صالونات لم تعمر، يا قهوة لم تضيّف، يا أنخاباً لم تشرب، يا عواميد لم تزين بصورهم، يا شاشات لم تتعرف إليهم، يا أماً لم ترَ ابنها نائباً، يا زوجة يا ابن يا عراب، يا حظ. من يعوض هؤلاء الثكالى بيننا؟ لم ينم المرشحون الذين حظوا بلوائح تلمهم حتى يستيقظوا من هذا الحلم

كان القصر الكسرواني لا يزال قبل بضعة أشهر مكعب باطون ضخماً يشوه مساحة شاسعة من تلة خضراء، وكان صاحبه يقف عند مدخله متخيلاً الجموع تحمله على أكتافها صوب مدخله. يردد الهنغار بروعة صدى الهتاف: بالروح بالدم نفديك، بالروح بالدم نفديك. تنقطع أنفاس زوجته. الجماهير أحلى من اللؤلؤ. يجوب قاعة ضخمة ليس فيها عمود واحد. يجب توسيعها أكثر، يقول لنفسه: هذه تتسع لخمسمئة شخص، وفي اليوم العاديّ سيزورني ألف. يحصي في رأسه عدد رؤساء المجالس البلدية في كسروان والمخاتير ويوعز إلى «معلم الورشة» أن يُعدّ طاولة للغداء والعشاء في الصالون الضخم تتسع لهم جميعاً. ورغم كثافة أحلام اليقظة في تلك الأيام، كان ينام بين ليلة وأخرى. لكن، منذ أسبوعين طار النوم نهائياً. اسألوا عينيه. يبدو كمن يضع نظّارة شمسية دون أن يغطيهما بشيء. باتت لياليه مسرحاً يعوّض كل التراجع المسرحي العربيّ. تتنقل خشبة العرض من ساحة جونية حيث سيحمل الفلاحون الجدد طانيوس شاهين الجديد إلى صالون القصر الذي أنهى ورشته. قالها له الجنرال: بيني وبينك، أنت ستكون مرشحي، قدِّم أوراقك. لا تسألوا زوجته. إن تعثر هو ونام فهي لا تنام. تمسك السلسلة التي علقت فيها صورة صغيرة للعماد ميشال عون فوق صورة والدتها وتحلم. تقوم إلى «فايسبوكها» تبحث عن صديقاتها السابقات في المدرسة لتضيفهن: «سأتأكد أين أمسين وأريهن أين أصبحت». شقيقه هاتف صديقه في الصين يسأله عن موعد وصول «كونتينراته» علّه يضيف إليها عشرة صناديق شامبانيا. «شامبانيا شغل الصين!».
رئيس بلدية جونية السابق جوان حبيش أكثر تواضعاً من زميله المفترض السابق ذكره على لائحة التيار الوطني الحر في كسروان، عاش تجربة مماثلة، لا ليومين فقط، بل لشهرين. هذا الذي رفضه البناؤون في مصنع نعمة افرام السياسي غدا حجر الزاوية بين ليلة وضحاها في اللائحة العونية. فعلياً ولو ادعى حبيش عكس ذلك، لما كان في الأسبوعين الماضيين ينام. كان يعلم أن من استغلوا براءته السياسية وحماسته للعمل الجماعي، النائب السابق فريد هيكل الخازن ورئيس جمعية الصناعيين نعمة افرام والنائب السابق منصور البون، كانوا سيخسرون النيابة التي يحلمون بها ويعملون لها أباً عن جد ليربحها هو. وفي المقلب الآخر، ما كان مسؤول القوات السابق في كسروان شوقي الدكاش ليصدق أن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع اقتنع به أخيراً رغم كل الوشوشات، وتبنى ترشيحه. «يقاتل جعجع من أجلي بعد كل قتالي لأجله»، يبدو صدى تلك العبارة في رأسه رائعاً. لا يملك الدكاش قصراً. بيته صغير في بلدة العقيبة ضمن بناية يقطنها مع إخوته. لكن ملعب جونية البلدي كان سيتسع نسبياً للجماهير التي ستحمله وترقص به وتسمعه أحلى أبيات العتابا. وليس بعيداً عنه، وصلت اللقمة أو كادت تصل إلى فم النائب السابق منصور البون، ولم تلبث أن سحبت منه. «قافلة الجمال السعودية المحملة بترولاً أصفر» التي يتحدث البون عنها، الجمال التي ينتظرها أبو فؤاد، الجمال التي أخرت أحداث سوريا كثيراً وصولها، كادت تصل إلى منزله هو، لا إلى منزل رئيس جمعية الصناعيين نعمة افرام، كما كان يخشى. «لكن اللعنات التي انزلها فارس سعيد علينا» ألغت الانتخابات. أجلوها ليعيش البون والآخرون على أعصابهم، على حبوب الأعصاب، عاماً وستة أشهر إضافيين.
في الأشرفية، أرسل المرشح العوني زياد عبس بذلتين جديدتين إلى الخياط ليقصرهما له؛ كان شعوره عظيماً. «إيويها ويا زياد، إيويها ويا مناضلنا، إيويها وقبلك أخيراً الجنرال، ليليليليش»، يزلغط له الوزير نقولا الصحناوي. مرشح القوات عن المقعد الأرمني في زحلة بوغوس كورديان أخرج صفائح الذهب التي كدسها أباً عن جد في خزائن محكمة الإغلاق جعلته رئيساً لنقابة معلمي صناعة الذهب والمجوهرات في لبنان. المرشح العكاري العوني للمرة الثالثة جوزف شهدا ذهب يبحث على الخريطة عن عكار. مرشحة القوات عن المقعد الكاثوليكي في زحلة ديما غزالة لم تقدم، لحسن حظها، استقالتها من المدرسة الأنطونية في زحلة ولم تتغيب عن صفوفها إثر تقديم ترشّحها. وإن ينسَ فلن ينسى المرشح العوني عن المقعد الكاثوليكي في المتن شارل جزرا عقارب الساعة بين الثالثة والثالثة وثلاث دقائق من يوم السبت الواقع فيه 25 أيار 2013 حين رسمت له شفتا الجنرال ما مفاده أنه سيكون مرشحه. أما مدير ماكينة النائب ميشال فرعون في الأشرفية، سيبوه مخجيان، فاقترب من ترسيخ ترشّحه عن المقعد الأرمني على اللائحة الفرعونية أكثر مما كان يتخيل قبل بضعة أشهر بكثير. كاد ذلك يكون حقيقياً بالنسبة إلى قيادي التيار الوطني الحر في الشوف وعكار غسان عطا الله وجيمي جبور، كادا أن يقفا على جسر الضبية عن يمين عون ويساره ليعلنهما ممثليه الرسميين في تلك الدائرتين. ولو كان فوز كل من سبق تعدادهم صعباً، لكانوا مرشحين سابقين يضعون في جيبة جينزاتهم الصغيرة ورقة برقم من خمسة أعداد تدل على عدد المعجبين بهم، عدد الذين اختاروهم دون غيرهم من خلق الله لتمثيلهم في المجلس النيابي. من الآن وحتى موعد الانتخابات الجديد لن ينام مرشح القوات عن المقعد الأرثوذكسي في عكار وهبة قاطيشا: كاد العميد الذي عمل مع القوات اللبنانية قبل تقاعده من الجيش أو استقالته أن يقطف ثمار فعلته. كاد النائب السابق مصطفى علوش أن يعود نائباً حالياً. كادت ريا الحفّار لا تبقي للنائبة السابقة غنوى جلول إنجازاً تتميز به عنها.
وإذا كانت هذه حال المرشحين الجدد فحال النواب الحاليين ليست أفضل بكثير. منهم من أكمل نومه الطبيعي العميق، مطمئناً إلى استمرار كتلته بترشيحه رغم سوء أدائه الخدماتي والسياسي والتشريعي مثل سمير الجسر وبدر ونوس (طرابلس) وجمال الجراح وزياد القادري وأنطوان سعد وأمين وهبة (البقاع الغربي) وإيلي عون ونعمة طعمة (الشوف) وحسين الموسوي (الهرمل) وأيوب حميد (بنت جبيل) ونبيل دي فريج وعمار الحوري وعماد الحوت (بيروت) وطبعاً سليم كرم في زغرتا، مقابل آخرين لم يناموا قلقاً على حياتهم مما ينتظرها من تغيرات أقله على مستوى قيادتهم سيارات لا تحمل لوحاتها إشارة مجلس النواب أو مشاهدتهم عرضاً في السينما دون مرافقين يحجبان بوقوفهما خلفهم الشاشة عن سائر المشاهدين، بعد استشعارهم احتمال إقدام قياداتهم على تغييرهم، مثل: رياض رحال (عكار) وكاظم الخير (المنية) وشانت جنجنيان وطوني أبو خاطر (زحلة) ونقولا غصن (الكورة) وعباس الهاشم (جبيل) ونعمة الله أبي نصر وجيلبرت زوين (كسروان) وفادي الأعور وبلال فرحات (بعبدا) وميشال الحلو (جزين) ومحمد قباني (بيروت) وغيرهم. ورب ضارة بالمرشحين الجدد تفيد هؤلاء فيقنعون رؤساء كتلهم بالحفاظ عليهم دورة إضافية، وهو ما يأمله مرشحون كثر كانت حظوظ صعودهم الباصات القوية هذه الدورة ضئيلة مثل المرشح الكتائبي في عكار شادي معربس والنائب جورج عدوان في الشوف والمرشحين العونين أنطوان نصر الله وجورج عبود في المتن ومرشحة 14 آذار مي شدياق في كسروان وتريسي شمعون في بعبدا. واللافت أن نسبة التغيير الصغيرة جداً التي كانت ستطرأ على أعضاء المجلس النيابي فيما لو حصلت الانتخابات في موعدها، تتيح شكر الرئيس نبيه بري لتمديده ولاية المجلس الحالي، موفراً على الخزينة العامة تكاليف الانتخابات. ويبدو في هذا السياق أن الكتل النيابية ممنونة لنوابها إنجازاتهم العظيمة إنمائياً وتشريعياً وسياسياً، وخصوصاً كتل التنمية والتحرير والمستقبل والوفاء للمقاومة. فنواب بعلبك والهرمل، كما غالبية نواب عكار، يستحقون في رأي المستقبل وحزب الله التجديد لهم ولاية إضافية. ويسجل في المقابل ترفع عدة نواب مثل إدغار معلوف وسليم سلهب (المتن) ومعين المرعبي (عكار) وفريد مكاري (الكورة) وإيلي كيروز (بشري) وجوزف معلوف (زحلة) وجان أوغسبيان وغازي العريضي (بيروت) وعصام صوايا (جزين) عن الترشح مرة أخرى إراحة للناخبين، على الأرجح، منهم. بينما لا يؤثر تجاوز كثيرين لمختلف أعمار التقاعد في العالم على حماستهم الشديدة لتمثيل الشعب، مثل النائب عبد اللطيف الزين (مواليد 1932) والنائب السابق مخايل الضاهر (1928).
يتعين على القصر ختاماً إذاً أن يعيش بخوائه 17 شهراً إضافياً. يمكن الزوجة إضافة مزيد من أصدقاء المدرسة حتى يحين الموعد الجديد، فيما مكبرات الصوت تبث مقتطفات مكررة لأغنية نجوى كرم «بالروح بالدم». يرضخ بعضهم فيما يتمرد بعض آخر: لن نخلع البذلة، يمكن عبر إحدى حقائب مجلس الوزراء أن نعد أنفسنا للمجلس النيابي ونعرف الناخبين بنا. يا لحظّهما رئيسي حزب القوات سمير جعجع والتيار الوطني الحر العماد ميشال عون، لن ينتهي «النق».

السابق
لبنان يمدّد لأزماته
التالي
اللواء ادريس: حزب الله يغزو سورية