مرحلة مضطربة قبل ولادة الجمهورية الثالثة

صدقت التحذيرات الغربية فارتفع منسوب القلق بعد حوادث أمنية عدة، حملت دلالات خطيرة وطرحت علامات استفهام كبيرة حول المستقبل الذي يهرول نحوه لبنان، في ظلّ ازمة سياسية حادة ستبدأ بالتصاعد مع إقرار التمديد للمجلس النيابي وكل ذلك، يظلّ معطوفاً على اشتداد الازمة السورية وتصاعد العنف وانقلاب موازين القوى العسكريّة على الأرض والعراقيل التي تقف حائلاً أمام انعقاد مؤتمر جنيف للسلام.

وعلى وقع مشارفة العمليات العسكرية في القُصير على نهايتها، شهد لبنان جملة هزات امنيّة جاءت للوهلة الاولى غامضة في بعض جوانبها.

فرسالة الصواريخ باتجاه اطراف الضاحية الجنوبية، حملت اسئلة عدة حول اختيار مكان إطلاق الصواريخ والمنطقة المستهدَفة واستعمال الصواريخ وليس المتفجرات او وسائل أخرى.لكن مما لا شك فيه، أن الرسالة الأهم كانت بأن الضاحية الجنوبية اصبحت هدفاً بعد المستجدّات في القُصير.

وجاء تبنّي أمين سرّ الجيش السوري الحرّ للعملية وتحديده اهدافاً أخرى مثل مطار بيروت لتشير الى وجود برنامج قابل للتطبيق وتباعاً. ولو أن الناطق الرسمي سارع ونفى هذا التبنّي.

لكنّ الاهم هو أن هذه الرسالة الصاروخية جاءت بعد ساعات على تلقي الدولة اللبنانية تحذيرات اوروبية حول موجة من العنف قد تجتاح الساحة اللبنانية في اطار الصراع السني- الشيعي على خلفية الصراع الدامي الحاصل في القُصير.

وفي هذا الإطار، رصدت الجهات الأمنية اعادة تنظيم القوة العسكرية للجيش السوري الحّر والموجودة في لبنان وفي شكل اساسي في كل من البقاع والشمال.وبموازاة ذلك، تحدثت معلومات امنية عن وصول إمدادات امنية لبعض الخلايا الإسلامية المنتشرة على الساحة اللبنانية، ولاسيما في منطقة الطريق الجديدة في بيروت.

وتضيف هذه المعلومات ان تيار المستقبل الذي يستشعر خطورة ما قد ينجم عن ذلك، حاول ثني بعض هذه المجموعات الموجودة في الطريق الجديدة عن القيام بأيّ نشاط أمني او عسكري إنطلاقاً من هذه المنطقة.

وكلّ ذلك يجري على وقع المواجهات العنيفة في طرابلس حيث بلغت هذه الجولة الذروة قياساً على الجولات السابقة وسط خطاب تعبوي مذهبي مرتفع، إضافة الى التحضيرات الجارية على الساحة الصيداوية لجعلها ساحة مواجهة، وحيث من المرشح إدخال مخيم عين الحلوة في المواجهة لاحقاً والذي يُعتبر المخيم الأكبر في لبنان، اضافة الى احتضان قيادات التنظيمات الاسلامية المتطرّفة.وسط هذه الصورة المقلقة جرى استهداف الجيش اللبناني، ما يطرح علامات استفهام كثيرة حول التوقيت والهدف من ذلك.

ففي طرابلس لم يكن من باب المصادفة ان يسقط للجيش اكثر من 80 اصابة من بينهم ثلاثة شهداء خلال الجولة الأخيرة. لا بل على العكس، هذا يعني وجود قرار باستهداف الجيش مباشرة لتعطيل دوره كقوّة قادرة على الإمساك بالارض. ولذلك جاءت بعض الاصوات التي استهدفته (عن غير إدراك ربما) لتعمل على نزع الغطاء السياسي عنه وبالتالي تقييد حركته.

من هنا لا يبدو أنّ العديد من الاطراف المراقبة على قناعة "ببراءة" توقيت عملية استهداف الجيش في عرسال. فلماذا اختيار هذا الاعتداء الآن، لا سيما وان ما حصل لا يحتمل ايّ تأويل، لا بل إنه عملية اعتداء ارهابية واضحة وصريحة.

إضافة الى التوقيت، فإن اختيار هذا المكان له علاقة واضحة بالتطورات السورية اذا ما وضعنا جانباً مكان انطلاق المجموعة المعتدية، الّا انه من الثابت ان السيارة الجانية رحلت باتجاه الاراضي السورية.

ولكن ماذا يعني كل ذلك؟

يبدو الجواب واضحاً: لبنان دخل مرحلة عدم الاتزان الأمني والسياسي.ففي الايام القليلة القادمة سيتمّ الإعلان عن سقوط القُصير بالكامل والبدء بعمليات اخرى لإنهاء وضع محافظة حمص اضافة الى بعض المناطق القريبة من العاصمة دمشق.

وهذا الوضع بحدّ ذاته سيشكل حافزاً كبيراً لرفع مستوى الاحتقان في لبنان، اضف على ذلك، ما يجري ترداده همساً عن وجود العديد من القتلى اللبنانيين من أبناء طرابلس والشمال في القُصير.

وطالما ان المسرح اللبناني بات جاهزاً لاحتضان مواجهات متفرّقة بدءاً من الشمال مروراً بالبقاع ووصولاً الى صيدا، فإن الجيش اللبناني يجد نفسه في موقع صعب جداً ليقوم بدوره والامساك بزمام الامور ميدانياً. فأيّ ضربة هنا او هناك سيجري استثمارها في إطار المزايدات المذهبيّة كما حصل في طرابلس أخيراً. في ايّ حال، إنّ التمويل الذي استعاد "نشاطه" أخيراً انما له اهدافه ووظيفته.

ما يعني ان لبنان مقبل (بمعرفة الدول الغربية على الاقل) على مرحلة مضطربة. اضف الى ذلك، ان المناخ السياسي العام سيكون غير صحي وسط إقرار الطبقة السياسية بعجزها وهو ما ترجم بالتمديد للمجلس النيابي.

وفي ملاحظة واضحة، فإن العواصم الغربية لم تعلن معارضة جدية لتأجيل الاستحقاق النيابي. لا بل إن قوى مثل المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، ما كانا ليشاركا في لعبة التمديد لولا وجود ضوء اخضر غربي في هذا الاتجاه وهو ما يؤكد مرّة جديدة تمسّك الغرب بمصالحه على "كذبة" سعيه لإحلال الديموقراطية.

واذا كانت مدة التمديد قد اختيرت بعناية (حتى ما بعد الانتخابات الرئاسية السورية في حزيران 2014 والتي من المفترض ان تترافق مع تسوية سياسية ونظام سياسيّ جديد) فإن الاستنتاج الواضح لكل ما هو جاري التخطيط له، إدخال لبنان في اضطرابات امنية وأزمات سياسية للوصول الى طائف – 2 بموازاة طائف سوري يجري التحضير له.

وبعبارة اوضح انضاج نظام سياسي جديد على نار الاضطرابات الأمنية والأزمات السياسية، وهو ما يعني ان المجلس النيابي الحالي هو آخر مجلس نيابي في الجمهورية الثانية، وان لا انتخابات جديدة الّا بعد ولادة الجمهورية الثالثة في ظلّ احداث كبرى ستعصف بالساحة اللبنانية تؤدي الى إنضاج المشاريع المطروحة، ولكن في انتظار ذلك، "لا حول ولا قوّة…"

السابق
اسقاط الخطوط الحمر
التالي
لبنان يمدّد لأزماته