في “نجاح” الأسد

نجاح بشار الاسد في عسكرة الثورة السورية لا يضاهيه إلاّ نجاحه في جعل معركة إسقاطه بوابة لإسقاط الاستقرار الهشّ للاجتماع الأهلي في بلدين على الأقل هما العراق ولبنان.
لكن "نجاحه" ليس خاصاً، ولا يُحسب في خانة قدراته القيادية، بقدر ما هو ترجمة لقرار إيراني ميداني كبير، وروسي سياسي أكبر يقضيان بكسر كل الموانع والعوائق في سبيل إبقاء سلطته في مكانها ومهما كان الثمن.. وهذا في نتيجته يعني وسيعني حتى إشعار آخر، أنّ الأسد رَبح في التفصيل لكنه خسر سلطة القرار، مثلما سبق له وخسر كل وظائف نظامه عملياً، مثلما خسر أكثر من نصف الجغرافيا السورية وغالبية الشعب السوري.
.. صار ناطوراً برتبة رسمية ملتبسة عنوانها رئاسة دولة انتهت: القرار التكتي والاستراتيجي انتقل في الميدان إلى الإيرانيين مباشرة. وفي السياسة والخطوات العسكرية الكبرى إلى الروس في موسكو. وهؤلاء يقرّرون عنه في كل تفصيل ومنحى. ويتصرّفون في ضوء ذلك وعتمته في كل لقاءاتهم وحواراتهم مع الأوروبيين والأميركيين ولا يسايرون حتى في الشكل. ولا يخجلون.. يفاوضون ويأخذون القرار فوراً ولا يطلبون فسحة وقت لإبلاغ دميتهم في دمشق بذلك إلاّ لاحقاً. عبر الهاتف أحياناً وعبر استقبال موفدين من درجة ثالثة ورابعة في معظم الأحيان.
"نجاح" الأسد بهذا المعنى هو رديف لنجاحه التام في تدمير سوريا وسحق شعبها. وانعكاس أمين، حقيقي وملموس لقدراته الذهنية وطريقة تفكيره.. وكثيرون قبل انكشافه الراهن بأعوام، "لمسوا" وعاينوا مباشرة تلك الضحالة المسوّرة بفذلكة كلامية مضروبة بتضخم الأنا. وتوقعوا تبعاً لذلك نتائج كارثية لأدائه.
.. كثيرون لاحظوا منذ بداياته، انّ سوريا انتقلت من نقيض إلى آخر. من حاكم متأنّ وحذر ومتوجّس إلى حدود النكتة.. إلى وريث متعجّل ومتهوّر وسريع العطب ومغامر يغطي نواقصه باحتراف لعبة الحكي وتفسير وشرح كل شيء وكأنّه دائماً يُحاضر في مستمعين وُلدوا بالأمس! والمفارقة كانت واضحة في الشكل كما في المضمون: طبيب العيون الموعود، قصير النظر إلى حدود مقلقة!
.. حتى "نجاحه" في عسكرة الثورة لم يكن إلاّ غرفاً مشوّهاً من إرث النظام الذي بناه والده والذي في أساسه الأوّل أنّ السلطة المطلقة لا تعني إلاّ شيئاً واحداً: القوّة الغاشمة والعنف الضاري. لكن الأهم منهما هو القدرة على تفادي الوصول إليهما. وفي هذه اللعبة، سرح المورّث وصال وجال فيما الوارث أخذ المبدأ وغاص في "التفسير" و"الشرح" حتى ضاع وضيّع كل شيء!
وبانتظار "تبلور" تفاصيل الخراب المنتظر ميدانياً في لبنان، وتطوره في العراق، فإنّ للنكبة مقوّماتها وشروطها، وهذه في دورات الزمان ولعبة الأقدار تشبّه اللعنات الكبرى التي تصيب شعوباً وأمماً بالجملة، وخصوصاً عندما يركبها الحظ السيئ تحت مسمى ممانعة آخر زمن!

السابق
العثور على قذيفة RBG داخل مستوعب نفايات في علما – زغرتا
التالي
المر: للاسراع بتشكيل حكومة تهتم بالمواضيع الاساسية