ضربة بوتين السورية

لماذا تمنح روسيا شبكة أمان ورعاية استخباراتية- عسكرية- مالية لما يُسمّى «الهلال الشيعي»؟… قبل ذلك يجدر السؤال عن صمود هذه التسمية بعد عاصفة الثورات في المنطقة، والحرب في سورية التي من دونها يسقط مشروع «الهلال».

تحت سقف المشروع، بنسخته المطوّرة، يصبح تزويد دمشق صواريخ «أس 300» عامل «استقرار»، ومن مفردات المرحلة أن تصبح إيران «ناطقاً» باسم النظام في دمشق، «مدافعاً» عن سيادة سورية ضد «التدخل الأجنبي»، بعدما لوّحت علناً بإرسال قوات لمنع سقوط هذا البلد العربي الذي تعتبره بمثابة محافظة إيرانية.

تستميتُ موسكو لمنع سقوط «الهلال»، وتستميتُ طهران دفاعاً عن حليفها الذي يشكِّل حجر الزاوية في استراتيجية «حدائق خلفية» تبدأ في بغداد وتنتهي على شواطئ البحر المتوسط. أما وقد اقتربت الانتخابات الرئاسية الإيرانية، فلم تبقَ إلا أيام ضمن مهلة «فترة السماح» التي منحتها الدول الست (الخمس الكبرى وألمانيا) لإيران، كي تحسم بعدها أمرها في ملف برنامجها النووي. لذلك تعتبر طهران أن خروج النظام السوري من أزمتي الحرب «الكونية» والثورة، ضرورة لاستدراج عروض صفقة، تنقذ مواقع نفوذها الإقليمي.

وأما استماتة الكرملين في الذهاب إلى أقصى مدى في المواجهة مع واشنطن والغرب عموماً، فواضح أن مسرحها السوري الكبير ليس سوى حجر على خريطة مصالح أحيت الحرب الباردة.

ضربَ الرئيس فلاديمير بوتين ضربته، بعدما اختار سحب البساط من تحت قدمي أميركا وأوروبا. فالأولى مثخنة بجروح العراق وأفغانستان وكلفة الحربين والأزمة الاقتصادية. والثانية تتخبط في شِباك أزمات الاتحاد الأوروبي، بدءاً من الانكماش والبطالة وانتهاء بإحياء النقاش حول الهوية في قارة اعتبرها الأميركيون عجوزاً، ينوءون بعبئها وأكلاف حمايتها.

ولعل مَنْ يذكرون الوعود التي أطلقها بوتين قبل عودته الى الكرملين، يجدون في تعطيل موسكو أي دور لمجلس الأمن في سورية، وإصرارها على مد شريان الحياة للنظام السوري، قبضة تحدٍّ «سوفياتية». ألم يكرر بوتين مرات رغبته في انتفاضة على مرارة لدى الروس الذين اكتشفوا «خديعة» الغرب ووعوده بعد انهيار الاتحاد السوفياتي؟ أليس إرساله قطعاً من الأسطول البحري الى شرق المتوسط واحداً من فصول الحرب الباردة الجديدة التي انقلبت حرباً ضروساً في سورية وعليها؟

من دمشق الى بغداد وطهران- إذا استُثنيت بيروت- وسواء سُمِّيَ الحلف الثلاثي (أو الرباعي مع «حزب الله») حلف ممانعة أم «هلالاً شيعياً»، بات أكيداً منذ شهور أن سيد الكرملين الذي قرر اقتناص فرصة التردد الأميركي و «الانكماش» الأوروبي (بعد ليبيا) على ساحة «الربيع العربي»، لن يتراجع عن رعاية «الهلال» لإملاء شروطه حين تأتي ساعة إعادة اقتسام مواقع النفوذ، في بقاع عديدة.

وإذا صحّ تذرّع موسكو بـ «الخديعة الغربية» في حرب ليبيا، ومرارة خسارة مصالحها في العراق بعد الغزو الأميركي- البريطاني، فالصحيح أيضاً ان مطالبتها واشنطن قبل يومين بنزع السلاح النووي التكتيكي في أوروبا، ستجعل مهمة أوباما شاقة خلال لقاء القمة مع بوتين الشهر المقبل.

كل ما يقوله سيد الكرملين للبيت الأبيض، أن المطلوب أكثر، بعدما تراخت واشنطن في مشروع الدرع الصاروخية لتهدئة مخاوف الروس. ولأن سقف طموحات بوتين يرتفع، يرد على لعبة عض الأصابع التي أجادها أوباما والغرب في سورية، بلعبة أوراق المصالح الروسية، ويصعِّد. ويواجه الرهان الأميركي على الوقت لكسر الحليف السوري، فيمنحه بوتين القدرة على إسقاط ورقة التدخل الخارجي، بعدما صمد الرهان على خلافات المعارضة، واستخدام ذريعة «التكفيريين» و «جبهة النصرة» في شق صفوف الأوروبيين أيضاً.

ربع خطوة إلى أمام يخطوها أوباما في سورية، يبادلها الرئيس الروسي بأربع، وإذا جاز القول إن جميع السوريين باتوا وقوداً في حرب باردة طاحنة، تحاصر شظاياها لبنان والأردن، لأمكن توقُّع نهاية بائسة لمؤتمر «جنيف-2»… إذا عُقِد. فالأكيد أن النظام السوري يستعجل مفاجآت عسكرية لكسر شوكة معارضيه.

ضربَ بوتين ضربته، تمسّكَ أوباما بحبل «حكمة» الانتظار، إلى أن يطمئن الى إقصاء التكفيريين. وهكذا، يلتحق بقطارٍ لا أحد يمكنه التكهن بموعد وصوله الى المحطة الأخيرة.

السابق
اللواء ادريس: حزب الله يغزو سورية
التالي
“الموناليزا” أحلام