اسقاط الخطوط الحمر

تتسارع وتيرة التطورات الأمنية في غير مكان على الساحة اللبنانية بالتزامن مع تسارعها على الجبهات السورية المتعددة المفتوحة في وسط البلاد وجنوبها وشمالها وليس بعيداً عن عاصمتها أيضاً، وذلك على خلفية الإرادة الجادة للجيش السوري وحلفائه في تغيير مسار الريح التي تهب على سورية والمنطقة من خلال المحور الغربي – العربي الذي نجح "بداية" بوضع الأمور على طريق استنزاف الدولة السورية تمهيداً لإسقاطها.

لم يكن تدخل حزب الله بالطريقة التي حصلت متوقعاً، بالرغم من الخشية الدفينة من ذلك، في حين كانت التحذيرات تتوالى من مغبة الإقدام على هذه الخطوة التي على ما يبدو جاءت في التوقيت المناسب بعدما تمت دراستها ملياً انطلاقاً من معطيات داخلية لبنانية – سورية مشتركة، وإقليمية ودولية كشفت أن التدخل قد يغير قواعد اللعبة التي دخل فيها المحور الغربي – العربي والتي تعتمد سياسة "حافة الهاوية" فكان أن بادر المحور الآخر الى اعتماد نفس السياسة والذهاب بعيداً في المواجهة وفق خطة على مراحل لا زالت في مراحلها الأولى.

لكن المؤكد أن خطوة تدخل حزب الله في سورية قد حققت أهدافها على المستويين السياسي والميداني، فهي استطاعت أن تعطي دفعاً ملحوظاً في سير العمليات القتالية للجيش الذي يعتمد الطرق الكلاسيكية في الحرب، وأستطاعت في الوقت نفسه أن تطرح الكثير من علامات الإستفهام لدى الدوائر الغربية والعربية الراعية للجماعات المسلحة حول قدرتها على الإستمرار بالمواجهة الى وقت طويل، كما أدخلتها في حالة من الإرباك حول ما يمكن أن يتطور اليه الوضع فيما لو قررت التدخل مباشرة بعد تصاعد مؤشر هذا الأمر نتيجة الضغوط التي تمارسها دول عربية على المجتمع الدولي من جهة، ونداءات الإستغاثة التي أطلقها "قادة المحاور" في الجماعات المسلحة السورية، كما التهديد بجعل الأمور تفلت من عقالها في أماكن كثيرة تطال بعض العواصم العربية والأجنبية من خلال عمليات ينفذها أنصار لتلك الجماعات انتقاماً.

هذا ما كشفت عنه مصادر دبلوماسية اشارت الى أن تدخل حزب الله قد ولد هذه الحالة التي صدمت عدداً من الدوائر السياسية الغربية والعربية عبر العالم والتي سارعت بالفعل الى التشاور حول كيفية الرد على هذه الخطوة، في حين أنها اختلفت على الشكل وما إذا كان ينفع التهديد بإدراج حزب الله بجناحيه السياسي والعسكري على قائمة "الإرهاب" الدولية، ومدى تأثير ذلك على مسار الأمور.. وماذا يمكن أن يغير في مضمون ما يحدث؟، إذ أن قرار الحزب من خلال تدخله المباشر بالقتال وعلى أوسع نطاق، بدا أنه سائر بتوجهه الى النهاية مهما بلغت التحديات ومهما ارتفع حجم المواجهة.

"هو الدفع باتجاه حافة الهاوية" على ما يقول المصدر الدبلوماسي الذي أكد على أن الإرباك الدولي من هذه الخطوة لم يجد له طريقاً بعد للخروج منه، في حين أن جرعات الدعم للجماعات المسلحة المقاتلة قد زادت خلال الشهر الجاري أضعاف ما كانت عليه الشهر الماضي، وهو ما تثبته شراسة المعارك التي تشهدها مدينة القصير والتي تعتمد على عنصرين أساسيين، الأول قاعدة المقاتلين الفكرية "التكفيرية" التي استحكمت بعد دخول حزب الله على الخط، والثاني نوعية الأسلحة التي تم إمداد المسلحين بها.

قد يكون التحذير الذي اطلقه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في 25 أيار الماضي في مناسبة الذكرى الـ 13 للتحرير والإنتصار على العدو الإسرائيلي يعتمد على هذه الخلفية التي لمسها على ما يبدو من خلال سير المعارك، لكنه كان ولا شك يوجه خطابه الى من وراء تلك الجماعات التكفيرية من غرب وعرب قرروا خوض حربهم ضد سورية على هذه القاعدة، وهو الأسلوب الذي اعتمدته الولايات المتحدة في أفغانستان لمحاربة الروس لكن ذلك سرعان ما انقلب عليها وأصبحت هي العدو الأول لهؤلاء بعدما استنفذتهم.

الأمر نفسه يتكرر في سورية اليوم حيث لا أدوات للحرب سوى تلك الجماعات، وذلك قبل اتخاذ القرار بولوجها بشكل مباشر إذا ما اقتضت الحاجة، لكن إسقاط حزب الله لـ"الخطوط الحمر" انتزع المبادرة من أيدي التحالف الغربي – العربي ونجح في إرسال رسالته التي تتضمن استعداد "محوره" لمواجهة كافة الأوضاع مهما تعاظمت، واضعاً ذلك التحالف أمام خيارات صعبة ربما يكون أحلاها مراً.

هامش الإنعكاسات المتوقعة على الساحة اللبنانية واسع جداً يترواح بين التهدئة الكاملة ولكن الحذرة، والتفجير الواسع والمدمر، وذلك مرتبط بالخيارات التي يتجه اليها التحالف الغربي- العربي والمدى الذي يريد أن يبلغه في هذا البلد بعد أن أسقط حلفاؤه فيه سياسة "النأي بالنفس" التي حاولوا التلطي خلفها لتسهيل مهمة جماعاتهم "المسيسة" و"المسلحة" في تحويل لبنان والكثير من مناطقه الى "حدائق خلفية" للإنقضاض على سورية، وذلك تارة عبر صيغ متطرفة ومذهبية وتكفيرية، وطوراً عبر وضع عراقيل في وجه أي اتفاق سياسي في إطار المناورة والضغط تمهيداً للقبض على السلطة بأي وجه من الوجوه ودائماً ضمن مخطط أكبر يخدم هدف تطويق سورية وإسقاطها، وصولاً للإنقضاض على حلفائها في لبنان.

السابق
صفقة التمديد للمجلس
التالي
مرحلة مضطربة قبل ولادة الجمهورية الثالثة