كيف سيرد الغرب على التحيةالإيرانية

تساءلنا بالأمس: ماموقف الغرب وإسرائيل من هذه الحملة "التحصينية" الإيرانية الشاملة في سورية وبعض مناطق نفوذ طهران في الهلال الخصيب؟
ونرد سريعا: تخطىء طهران إن هي اعتقدت أن الغرب وتل أبيب سيقفان مكتفوفي الأيدي حيال محاولاتها لقلب موازين القوى في سورية.
صحيح أن إدارة أوباما لاتزال مترددة إلى حد كبير إزاء التدخل في سورية، بفعل جملة عوامل متقاطعة منها تركيزها على "بناء الأمة الأميركية" في الداخل، واستراتيجية الاستدارة شرقاً نحو آسيا- الباسيفيك، هذا إضافة إلى إصابة كل ألوان الطيف السياسي الأميركي بالعقدتين العراقية والأفغانية التي تُشبه العقدة الفيتنامية في الستينيات. إلا أن الصحيح أيضاً أن هذه الإدارة لاتستطيع لأسباب جيو- استراتيجية منح إيران إنتصارات في سورية، فيما هذه الأخيرة تمضي قدماً في برنامجها النووي.
وقل الأمر نفسه عن باريس ولندن اللتين تعتبران دول الهلال الخصيب العربية آخر معاقل نفوذهما الامبراطوري السابق في الشرق الأوسط، وعن تل ابيب التي قد تسعد إذا مابقي نظام الأسد حياً سياسياً، لكنها ستغضب إذا ماترجم هذا البقاء نفسه كقوة إضافية لحزب الله وإيران.

كل هذه المعطيات تدفع إلى الاعتقاد بأن الغرب سيعمل في وقت قريب على إعادة التوازن إلى ميزان القوى العسكري الذي اختل مؤخراً لصالح النظام السوري بفعل الدخول الكثيف لقوات حزب الله وبعض وحدات الحرس الثوري الإيراني على خط المعارك المباشرة في محافظتي حمص ودمشق. وهذا سيتم على الأرجح من خلال تزويد المعارضة المسلحة خلال أيام (وربما قبل مؤتمر جنيف-2 في حال انعقاده الشهر المقبل) بعتاد جديد ودعم لوجستي- استخباري أكبر، خاصة بعد أن أقر المؤتمر الوزاري الأوروبي حق بعض دول الاتحاد الاوروبي بتسليح المعارضة.
لا بل أكثر: على رغم أن إدارة أوباما لاتزال مُصّرة على عدم التدخل في الحرب الأهلية السورية، إلا أنها قد تفاجىء الجميع باندفاعها إلى فرض منطقة حظر جوي في شمال سورية أو جنوبها، في حال تبيّن لها أن الإجراءات الفرنسية- البريطانية المشتركة لتعديل موازين القوى لم تتكلل بالنجاح.
وربما هذا الاحتمال بالذات هو الذي دفع روسيا أمس إلى الإسراع في الإعلان عن نيتها المضي قدماً في صفقة صواريخ أس- 300 المتطورة المضادة للطائرات التي كانت جمدتها (بطلب أميركي- إسرائيلي مشترك) العام 2010، وإلى التصريح علناً بأن الهدف "هو منع حدوث تدخّل عسكري غربي في سورية".
وهنا، ثمة نقطة بالغة الأهمية يتعيّن الإلتفات إليها: هدف أي تدخل أميركي وغربي ليس منح المعارضة المسلحة السورية فرصة الانتصار على نظام الأسد، بل مجرد تمكينها من مواصلة الحرب.
لماذا؟
لأن واشنطن باتت تعتبر سورية أفغانستان إيرانية أو ثقباً أسودَ يستهلك الكثير من قدرات طهران الاقتصادية ويأكل ماتبقى من رصيدها السياسي- الإديولوجي في المنطقة العربية، في وقت يتراقص فيه الاقتصاد الإيراني على شفير الإفلاس أو حتى الانهيار.
ثم أن استمرار التورط الإيراني في الحرب السورية، يمكّن الولايات المتحدة من الانتقام من طهران (وأيضاً من النظام السوري) بسبب الدور الذي لعباه ضدها في العراق وأدى إلى إجهاض مشروعها هناك. وهذه حالة انتقامية شبيهة بما حدث مع الاتحاد السوفييتي السابق، حين ورطته الولايات المتحدة في حرب أفغانستان كرد على توريطها في الهند الصينية.
فضلاً عن ذلك، يشكّل الاشتباك الراهن بين الأصوليين الإسلاميين في كل من حزب الله الشيعي والفصائل الجهادية السنّية، أول فرصة ذهبية أمام واشنطن وتل أبيب لاستخدام الورقة الجهادية ضد إيران، بعد أن كانت هذه الأخيرة تمكّنت طويلاً من إقناع التنظيمات المنبثقة من تنظيم القاعدة في توجيه بنادقها نحو الغرب. وهذا فرصة يمكن أن تتضخم كثيراً في حال نفّذت التنظيمات الجهادية تهديداتها بنقل المعركة إلى مواقع حزب الله في لبنان، أساساً على الأرجح عبر العمليات الانتحارية والسيارات المفخخة.

ماذا يعني كل ذلك؟
إنه يعني، ببساطة، أن زج إيران لورقة حزب الله ولباقي أوراقها بالكامل في الحرب السورية، لن يجدِ نفعاً في نهاية المطاف، لأنه فعل سيؤدي سريعاً إلى رد فعل. وهذا قد يحوّل الانجازات العسكرية الراهنة ليس فقط إلى نكسات بل أيضاً إلى تعميق الورطة الاستراتيجية الإيرانية في سورية وبقية بلاد الشام.
وهو بالتحديد المطلوب أميركياً وإسرائيلياً وغربيا.
 

السابق
رعد: هربوا السلاح فأسقطوا مؤسسات الدولة وشلوا حكومتها
التالي
جميل السيد: مؤتمر ميقاتي اليوم محاولة مكشوفة لتعويم نفسه