في الخراب الموعود..

واقع الحال المزري الذي يرتع فيه اللبنانيون لم يكن يحتاج إلى إضافة طنّانة من النوع الذي خرج بالأمس من جبل محسن، ولا إلى مطالعة كشفية جديدة في شأن طبيعة المعركة التي يطلبها بشار الأسد في لبنان أكثر من غيره وانطلاقاً من طرابلس تحديداً باعتبارها النقطة الوحيدة التي تضم خط تماس "تقليدياً" ومتفجّراً، فيما غيره من الخطوط الفاصلة لا يزال يعسّ بانتظار أن ينفجر!
لكن مع ذلك، فإنّ تلك العيّنة الآتية من مخزون الممانعة الإيرانية الأسدية، تضيف إلى هزال الحجّة وأعراض الارتباك والانكشاف الفئوي لكل منطق ذلك المخزون وتلك المنظومة، شيئاً لافتاً هو الانتقال من النكران إلى الإقرار، والاعتراف بوضوح تام ومكتمل وبالصورة والصوت والممارسة، بأنّ الخراب الموعود في لبنان هو قرار ممانع وليس أي شيء آخر!
كان الأمر في طرابلس نفسها "أوضح" من غيره بحكم العادة. لكن صاروخَي الضاحية كانا أقل وضوحاً! وإن شكّلا صفارة انطلاق "بدء المرحلة الجديدة" (؟) وهي المرحلة التي يُراد أن يُقال فيها للآخرين إنّ القتال في صفوف بشار الأسد لم يعد خياراً إنّما أصبح قراراً قدرياً لا رادّ له. وإنّ ذلك يستدعي الانخراط في كل الاتجاهات واستخدام كل "الأسلحة" المطلوبة. ومنها الذهاب إلى القصير وفتح جبهات إضافية داخل سوريا نفسها.. ومنها تجربة تطبيق المنطق الأسدي الأوّل الذي يقول إنّ إشعال محيطه يخفّف من حدّة النيران الداخلية المندلعة في تلابيبه. وإنّ تحويل الثورة التامّة والشاملة ضدّه إلى حرب مذهبية يعني أنّ تلك الحرب ستصل حُكماً إلى بيئاتها الإقليمية القائمة، أو بالأحرى "يجب" أن تصل إليها، وإن كان لنار الساحة اللبنانية متفرّعات عن ذلك الهدف بعضها يتصل بالمضمون السلطوي التشريعي والتنفيذي والضرورات الحيوية لبقاء تلك الأطر تحت السيطرة، مباشرة أو بالواسطة. أي بمعنى أوضح: الكلمة الآن لصناديق البارود والذخائر وليست لصناديق الاقتراع والانتخابات!
والواضح فوق ذلك، أنّ القرار المركزي الإيراني بتوظيف كل الأدوات والإمكانات لمحاولة منع أو تأخير انهيار السلطة الأسدية لم يعد يحتاج إلى براقع أو سواتر أو أغطية لتغطيته.. المعركة على المكشوف ومصيرية بالتمام والكمال!
.. رسالة جبل محسن بالأمس، سبقها خطاب مشغرة يوم السبت الماضي، وأحد الخيوط الرابطة بينهما كان الهجوم على رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي لا يحمل على كتفيه وزر دم إنسان بريء واحد، في مقابل الدفاع عن بشار الأسد الذي ينوء تاريخ الطغاة على مرّ العصور بتدوين ارتكاباته و"إنجازاته" المهينة للجنس البشري أينما كان!… عيب، إذا أمكن!

السابق
أمين الجميل: الجيش خط احمر ويجب المحافظة عليه
التالي
إحذر أخطار الحرقة المزمنة