انفتحت فوهات الثرثرة

في الاسبوع الماضي اطلقت في احدى الليالي صلية من العيارات النارية نحو سيارات للجيش الاسرائيلي قرب الجدار الفاصل في هضبة الجولان. وقد اصيبت السيارة، وكان هذا اطلاق نار آخر في سلسلة حالات لاطلاق النار من الطرف السوري نحو اراضينا. وفي الغداة بلغ الجيش الاسرائيلي ووسائل اعلامنا عن اطلاق النار، وعندها في اعقاب تقاريرنا عن الحدث، نشرت وكالة الانباء السورية الرسمية بلاغا باسم قيادة الجيش السوري في أن القوات السورية الباسلة دمرت مركبة للجيش الاسرائيلي اجتازت الجدار وكانت في طريقها الى موقع الثوار، وهكذا سيتم في المستقبل ايضا.
ولم يتناول أي محفل رسمي سوري ما حصل، لا الاسد، وبالطبع لا رئيس الاركان السوري، ولا اي قائد عسكري سوري، ولا حتى وزير الاعلام السوري الزعبي الذي يمتلئ فمه دوما بجواهر الاكاذيب والتهديدات المضحكة. وبتقديري فان السلوك السوري الرسمي كان منضبطا وحذرا جدا، ولم يكن للحكم في دمشق يد او قدم في اطلاق النار على المركبة العسكرية الاسرائيلية.
ولكن عندنا على الفور، وجه في وسائل الاعلام اصبع اتهام نحو الاسد، وانطلقت تقديرات مضخمة بان ايران تقف خلف اطلاق النار الليلي على المركبة. وفي اذاعتنا الرسمية بدأ المذيعون والمذيعات بالسؤال المقلق: ما العمل حيال حقيقة أن الاسد يسخن هضبة الجولان، وأمر بتوجيه الصواريخ بعيدة المدى لديه نحو مركز دولة اسرائيل؟ وعندها، لقرع طبول الحرب بقوة أكبر، جاء رئيس أركاننا وحذر الاسد صراحة، وليس تلميحا بانه هو شخصيا سيتحمل المسؤولية اذا ما اتسعت النشاطات ضد اسرائيل. وبينما هذا يهدد، جاء قائد سلاحنا الجوي ليهدد ويحذر من أن حربا مفاجئة مع سورية قد تقع في اي ساعة. وكل هذا فيما في الخلفية تظهر اقوال اسرائيلية مباشرة وغير مباشرة، في أن الاسد الشيطان المعروف، خير لاسرائيل. الاسد القاتل ـ ليس خيرا لاسرائيل؛ اسرائيل تريد هكذا واسرائيل لا تريد هكذا وهكذا. والاعلام، بشكل طبيعي، يشدد قوة الاصوات وصخب طبول الحرب.
فليكن واضحا، المصلحة الاسرائيلية الاهم هي ضمان سلامة مواطني الدولة في هضبة الجولان. من اجل هذا يوجد الجيش الاسرائيلي. وعليه، فهو سيكون في حالة تأهب وجاهزية للرد وفقا للحاجة في كل لحظة معينة. واضح كالشمس ان قائد سلاح الجو الاسرائيلي هو الجهة المهنية رقم واحد في الدولة لاعداد جاهزية وتأهب سلاح جونا، وهكذا رئيس الاركان بالنسبة لعموم الجيش الاسرائيلي. ولكن لماذا يحتاج رئيس الاركان الى تهديد الرئيس السوري؟ هذه ليست مهمته؟ هذه مهمة رئيس وزراء اسرائيل، واذا كان رئيس وزراء اسرائيل هو الذي وجه رئيس الاركان للتهديد، فان هذا خطأ جسيم ارتكبه.
التاريخ القصير لدولة اسرائيل شهد رئيس اركان (رابين) هدد باسقاط النظام في دمشق، أثار هزة أرضية وكاد ينحى عن منصبه من قبل رئيس الوزراء اشكول. ليس عندي ظل شك بان رئيس الاركان وقائد سلاح الجو على حد سواء لم يحلما على الاطلاق ‘بدق طبول الحرب’، ولكن في الواقع الحساس السائد اليوم في المنطقة هكذا تفهم الامور. فضلا عن ذلك، فان الاقوال الحماسية لاسرائيل في الاسبوعين الاخيرين تخلق الانطباع بان اسرائيل تنجر الى التدخل في النزاع السوري بعد فترة طويلة من الامتناع والوقوف جانبا بصمت.
ان النزاع في سوريا هو نزاع متعدد الطبقات: محلي، اقليمي، دولي وديني. برأيي، مصلحتنا العليا يجب أن تكون عدم الانجرار باي شكل الى هذا النزاع. لقد سبق أن جررنا الى النزاع في لبنان، واكتوينا. اذا ما جررنا الى النزاع السوري فاننا سنحترق أكثر باضعاف، من يريد ان يحافظ على نفسه فليبتعد عن هناك.
توجد بالطبع المشكلة الاخلاقية التي لا يمكن لدولة يهودية ان تتجاهلها، وان كان العالم المتنور المزعوم يتجاهلها. من أجل هذا توجد المنظمات اليهودية في أرجاء العالم، فلترفع اصواتها ضد جريمة الحرب السورية.

السابق
عقدة اوروبا في مواجهة الاسلاميين
التالي
زهرا: التمديد يفسح بالمجال للوصول إلى قانون إنتخاب بعيداً عن التشنج