ما بعد القصير

هناك ما هو أبعد من معركة القصير. هناك ما بعد القصير. ماذا يستطيع «حزب الله» عمله في حال انتصر على الشعب السوري واحتلّ القصير؟
لنفترض أن قوات النظام السوري استطاعت بدعم من عناصر «حزب الله» السيطرة على بلدة القصير القريبة من حمص وذات الاهمية الاستراتيجية من نواح عدة. في مقدّم هذه النواحي أن القصير تقف عائقا في طريق الربط بين دمشق والساحل السوري حيث الوجود العلوي. وهذا يعني في طبيعة الحال، أن هناك حاجة الى القصير في حال اضطر أهل النظام الذين يوجدون حاليا في دمشق الى الانتقال الى الساحل السوري.
كذلك، لنفترض أن القوات التابعة للنظام، التي يشارك معها «حزب الله» في القتال حقّقت انتصارا كبيرا على الشعب السوري واحتلت قراه. ولنفترض أيضا أن «حزب الله» أقام ممرّا آمنا بين منطقة الهرمل اللبنانية والساحل السوري. هل يقدّم ذلك أو يؤخر؟
الجواب بكلّ بساطة أن ذلك لا يقدّم ولا يؤخر وأن المطلوب اليوم قبل غد ايجاد حلّ جذري، ذي طابع سياسي، يأخذ في الاعتبار حقيقة الوضع السوري. وحقيقة الوضع يمكن اختصارها بأن الشعب السوري يرفض النظام القائم ويرفض الاستعمار الايراني لسوريا.
لو لم يكن هناك وضع سوري جديد، لما استمرّت الثورة منذ ما يزيد على عامين، أي منذ آذار- مارس 2011 عندما انتفضت دمشق، ثم انتفضت درعا…وانتفضت بعد ذلك سائر المدن والمناطق السورية، من حمص وحماة وادلب وصولا الى حلب ومدن الساحل على رأسها بانياس.
انّ الثورة السورية ليست حدثا عابرا وذلك، بغض النظر عمّا سيحصل في القصير. هذا ما تعجز روسيا عن فهمه، كذلك ايران والادوات الايرانية، بمن فيها «حزب الله».
يمكن فهم العجز الروسي عن استيعاب ما يجري في سوريا. لا تريد موسكو الاعتراف بأن النظام انتهى وأن كل ما تستطيع عمله هو توريط النظام في مجازر أخرى ترتكب، للاسف الشديد، بواسطة السلاح الروسي.
لم تفعل روسيا يوما، منذ كانت امبراطورية اسمها الاتحاد السوفياتي، سوى الرهان على الانظمة الديكتاتورية التي تقهر شعوبها. لم تهتمّ يوما من الايّام بالشعوب العربية. كان هناك دائما نوع من الازدراء لهذه الشعوب ومصيرها، بما في ذلك للشيوعيين العرب. كانت هناك دائما رغبة واضحة في استخدام الشعوب العربية لأغراض مرتبطة بسياسة سوفياتية، ثم روسية قصيرة المدى. ليس صدفة، في ضوء هذه السياسة أنّ موسكو لا تقيم علاقات معقولة مع أيّ دولة عربية، باستثاء سوريا. حتى العلاقات بين موسكو والجزائر تبدو متذبذبة اذا أخذنا في الاعتبار ما شاب صفقة السلاح الاخيرة بين البلدين وما رافقها من فضائح. لا تشبه هذه الفضائح سوى تلك التي رافقت المحاولات العراقية لعقد صفقة سلاح ضخمة مع الاتحاد الروسي. ليس معروفا بعد هل الصفقة العراقية- الروسية يمكن أن تنجز يوما. الشيء الوحيد المعروف أن السلاح صار الرابط الوحيد بين موسكو وبعض العرب، في حين كان في الامكان اقامة علاقات صحّية من نوع مختلف بين وريث الاتحاد السوفياتي ومعظم البلدان العربية، خصوصا في الخليج.
هناك فرصة حاليا، بعد انعقاد «مؤتمر أصدقاء سوريا» في عمّان تمهيدا لانعقاد مؤتمر جنيف-2. هناك فرصة لمعالجة مختلفة للوضع السوري تقوم على اقتناع الجميع بأن ليس في الامكان الانتصار عسكريا على الشعب السوري.
كلّ ما يمكن عمله هو متابعة تزويد النظام بأساحة الدمار الآتية من روسيا وتوفير دعم ايراني له عن طريق «حزب الله» ومقاتلين عراقيين وخبراء ومستشارين ترسلهم طهران.
من الصعب اقتناع موسكو وطهران بأن لا مفرّ في نهاية المطاف من حلّ سياسي يستجيب لمطالب الشعب السوري وطموحاته، خصوصا أن موسكو تعتقد أن في استطاعة الرئيس بوتين الاستفادة داخليا من الدعم الذي يوفّره للنظام السوري. أما ايران، فهي مقتنعة أكثر من أي وقت بأن مستقبل نفوذها في المنطقة، بل كلّ دورها الاقليمي، مرتبط بمستقبل سوريا وبقائها تحت سيطرتها. ولذلك نجد طهران تهدد هذه الدولة العربية أو تلك وتتوعدها باجراءات معينة في حال متابعة دعمها للثورة السورية.
لا شكّ أن روسيا دولة قوية تمتلك امكانات كبيرة، في مقدّمها النفط والغاز. ولا شكّ ايضا أن ايران تمتلك وسائل ضغط على دول المنطقة، كما لديها ادوات كثيرة تستخدمها في هذا البلد أو ذاك، خصوصا قدرتها على استغلال الغرائز المذهبية لتحقيق اهداف سياسية. هذا شيء والقدرة على حسم المعركة عسكريا في سوريا شيء آخر. هل سمعت روسيا يوما بأن حاكما ظالما استطاع الانتصار على شعبه؟ ما ينطبق على روسيا، ينطبق على ايران التي تعاني بدورها من ازمة نظام. هل من دليل على مدى عمق هذه الازمة اكثر من وضع العراقيل امام ترشح هاشمي رفسنجاني للرئاسة؟
قضية سوريا لا تختزلها معركة القصير ومن يسيطر على القصير. قضية سوريا قضية شعب حيّ يريد استعادة كرامته ويرفض البقاء الى ما لا نهاية تحت حكم لا يتقن سوى اذلال السوريين عن طريق الاجهزة الامنية والقمع. هذا كل ما في الامر. وهذا ما لم تستوعبه روسيا وايران اللتان ما زالتا تعيشان في وهم القدرة على اعادة عقارب الساعة الى خلف واختصار سوريا بعائلة واقلّية طائفية واجهزة امنية في امرة هذه العائلة وتلك الاقلّية…
  

السابق
النار السورية على الأبواب
التالي
أعوذ بالله من الشيطان… والإخوان!