تسوية سياسية من أربعة بنود تُسابق الإنتخابات

على رغم حمى الترشيحات التي اجتاحت وزارة الداخلية والتي من المفترض أن تستكمل اليوم كموعد أخير قبل إقفال باب الترشح، لا يزال الوسط السياسي حائراً حيال مصير الاستحقاق النيابي وهل هو قائم بالفعل.

ولهذه الضبابية في الرؤية أسبابها المرتبطة بتضارب الحسابات بين الفرقاء السياسيين الأساسيين، معطوف على المناورات القائمة.ففي الأساس، نجَحت مشاورات الكواليس السياسية في نسج تفاهمات مبدئية لإنجاز تمديد لمدة سنتين لمجلس النواب.

يومها جرى "تعليل" مشروع التمديد بحجة الحرب الدائرة في سوريا وضرورة حماية الساحة اللبنانية من أي تشنّجات يمكن أن تنشأ نتيجة أسلوب "تعبئة الشارع" الذي تفرضه الحملات الانتخابية عادة.

لكن بعض الفرقاء كان يقصد بذلك وجوب تأجيل الاستحقاق الانتخابي حتى حسم الوضع في سوريا، إن عسكرياً عبر رحيل الأسد (تيار "المستقبل")، أو سياسياً وتكريس بقاء النظام (حزب الله) واستثمار النتائج على الساحة اللبنانية.

يومها تولّى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان تسويق الأسباب الموجبة للتمديد خارجياً، وهو ما دفع لاحقاً الرئيس نجيب ميقاتي للاستقالة تمهيداً لتشكيل حكومة تجمع كل الألوان السياسية وتتولّى إدارة شؤون البلد. طبعاً كان مفهوماً ان التمديد يجب أن يطاول رئيس الجمهورية.

وقد اندفع النائب وليد جنبلاط في انضاج هذا المشروع، أولاً لأنه يجنّبه اضطراره إلى ارتداء لون سياسي فاقع ما بين طرفي النزاع في لبنان، وهو ما يفرضه تأليف اللوائح والحملات الانتخابية، وثانياً لأنه يشعر بأنّ موقعه الحالي ممتاز لناحية فرضه الأرجحية، إن يميناً أو يساراً، وبالتالي لا داعي للمخاطرة والذهاب الى انتخابات جديدة قد تجعله يخسر قدرته كبيضة قبّان.

الرئيس نبيه برّي بدا متحمّساً لهذا الحل، وهو الذي سمع من قصر بعبدا موافقة من الرئيس فؤاد السنيورة، ما يسمح له بتمديد رئاسته للمجلس النيابي من دون مخاطرة او عناء كبير.

أمّا تيار "المستقبل" فكان يريد العودة بشكل فاعل الى الحكومة وإقصاء الرئيس ميقاتي الذي نجح في انتزاع إعجاب العواصم الغربية بطريقة إدارته للحكومة. لكن الشيطان كان يسكن في التفاصيل كونها اكثر اهمية من العنوان العريض.

فتيار "المستقبل" أبلغ إلى الجميع فور الإطاحة بمشروع اللقاء الأرثوذكسي الانتخابي، أنه لن يسير بالتمديد لمجلس النواب لمدة سنتين إلا من خلال تشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري، وأمام إصرار "القوات اللبنانية" على تأجيل الانتخابات بضعة اشهر (حتى آخر الصيف) لتتمكن من تجاوز التداعيات الشعبية السلبية بسبب موقفها من المشروع الأرثوذكسي، أبلغ "المستقبل" أنه قد يوافق على تمديد أوّلي لبضعة اشهر على أن تجري الانتخابات في ايلول المقبل في حال عدم الموافقة على اقتراح تسمية الحريري رئيساً للحكومة.

في هذا الوقت، كان رئيس الجمهورية يرسل إشارات سلبية حيال عدم استعداده للموافقة على تمديد طويل لمجلس النواب، في إشارة فُسّرت بأنه يريد فتح باب التشاور معه حيال طريقة التمديد له أيضاً.

من جهته، كان العماد ميشال عون يصرّ على ضرورة إجراء الانتخابات في مواعيدها، أي في 16 حزيران، معترضاً على أي تأجيل، ليستطيع استثمار المزاج الشعبي المسيحي الغاضب على إجهاض مشروع اللقاء الأرثوذكسي.

إزاء كل ذلك، نفّذ الرئيس برّي بالتفاهم مع "حزب الله" مناورة قابلة لأن تصبح واقعاً ثابتاً، وبشكل مفاجئ: تقدّم الجميع بطلبات الترشح، فانطلق قطار العملية الانتخابية.

وفي الوقت نفسه، استجاب الرئيس ميقاتي الراغب بـ"ملاطفة" الرئيس برّي على أمل رفع حظوظ عودته الى رئاسة الحكومة، ودعا إلى جلسة لمجلس الوزراء لاستكمال كامل الترتيبات القانونية للعملية الانتخابية. وبذلك يكون الفريق الشيعي قد وضع تيار "المستقبل" أمام حتمية حصول الانتخابات في حزيران، إلا في حال إنجاز تسوية سياسية قبل نهاية هذا الشهر، موعد انتهاء الدورة العادية لمجلس النواب.

ووفق ما تسرّب فإنّ التسوية الجاري التفاوض عليها بين "المستقبل" والرئيس برّي تقوم على البنود الآتية:

1 – إعتذار تمّام سلام على أساس أن لا إنتخابات، وبالتالي لم يعد من مبرّر لترؤسه حكومة انتخابات.

2 – تسمية السنيورة (وليس الحريري بناء لطلب "المستقبل") رئيساً للحكومة.

3 – أن تحوز الحكومة على الثلث المعطل كونها حكومة سياسية بامتياز.

4 – التوافق سلفاً على بعض الحقائب الأساسية لضمان موافقة العماد عون على التسوية.

وفيما أوحى الردّ العنيف للحريري على السيد حسن نصرالله بأنّ التسوية "فرطت"، تشير المعلومات القليلة الى ان المفاوضات استمرّت وحققت بعض التقدم، وان النتيجة ستظهر خلال الساعات القليلة المقبلة.

تبقى عقدة رئيس الجمهورية الذي تحدث اكثر من مرة عن نيّته الطعن بأي تمديد طويل لمجلس النواب، وتروي بعض المصادر المتابعة بأن سليمان يسعى لمشروع يقضي بتعديل دستوري على أساس تقصير ولاية رئيس الجمهورية الى أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وأن يصحب ذلك اعادة بعض الصلاحيات لرئاسة الجمهورية، على أن يشمله ذلك بحيث سيعتبر انه أمضى ولاية ونصف الولاية ويتبقى له نصف ولاية، أي سنتان إضافيّتان.

إلا ان هذه المصادر اعتبرت أن هذا التعديل سيفتح عاصفة اعتراض لدى المسيحيين، على أساس انه سيضعف الرئاسة أكثر بسبب تقصير المدة، بعدما كان الهدف لدى إقرار الولاية بست سنوات غير قابلة للتجديد تحصين هذا الموقع وحماية الرئيس من الإغراءات والخضوع لابتزاز القوى السياسية القادرة على التجديد له.

وفي المحصّلة، تبدو احتمالات التمديد اكبر من احتمالات اجراء الانتخابات، خصوصاً إذا ما أضفنا الى هذه الحسابات عامل الفتنة الشيعية- السنية التي تطرق الأبواب بقوّة.  

السابق
فخامة الرئيس… باسم اللبنانيين
التالي
التكليف الشرعي لـ “حزب الله” صدر!