أطفال عين الحلوة: أين نلعب؟

للوهلة الأولى، يشعر من يراهم أنهم يلعبون ويمرحون، ويحلمون بغدٍ أفضل. لكن ما إن تقترب منهم وتتحدث معهم حتى تشعر أنك تقف أمام أشخاص يحملون من التجارب ما لا يحمله سواهم.
يلعبون في ساحة صغيرة، تلفها البيوت من جميع الاتجاهات، «لماذا تلعبون في هذا المكان الضيق الذي قد يعرّضكم لخطر الوقوع على الأرض؟». الجواب الوحيد: «وين بدك نلعب؟، ليس لدينا أماكن للعب، لا ساحات كبيرة، لا حدائق عامة، لا ملاعب نستطيع الذهاب إليها».
وبعد لحظات قليلة، خرجت إحدى النسوة ووقفت على شرفة منزلها، وصرخت بهم، لأنهم يقومون بإزعاجها جراء أصواتهم المتعالية، وهم يلعبون بالطابة. عندها قال لي أحدهم: «طيب وين بدنا نلعب، الكل بصيّح (يصرخ) علينا، وما في محل نلعب فيه»، فسألتهم، ألا يوجد مكان آخر تستطيعون الذهاب إليه وتلعبون؟ عندها أخذوني إلى ساحة أصغر، في البناية ذاتها، ولكن من الناحية الثانية، وقالوا لي: «شوفي مياه المجارير كيف عم تنزل عالساحة» كيف بدنا نلعب هون؟
منذ أيام قمنا بتنظيف المكان، وتنظيف الساحة، لكن لا حل للمجارير التي تنزل دائماً من الأبنية، لكننا مضطرون إلى أن نلعب هنا عندما ينهرنا سكان المبنى الآخر، وعلى الرغم من سوء المكان الذي نأتي إليه، إلا أنه أيضاً ينهرنا السكان، وإذا علقت الطابة عند أحدهم، فإنه إما يحتجزها، ويعطيها لابنه، أو يمزقها، ولا يعيدها إلينا. «شو بدك نعمل؟».
وفي المقابل وفي بعض الأحيان، يحبون أن يمارسوا لعبة ركوب الدراجات. لكن أين يلعبون؟ متواجدون داخل أزقة مخيم عين الحلوة، وهو المكان المتاح لهم، لأنه لا يوجد مكان آخر، لا تمنعهم قساطل المياه المتشابكة مع بعضها البعض. فقد ألفوا رؤيتها، وصاروا يعتبرونها من أحد الأفراد الذين قد يلعبون معه، لأنها تصيبهم بأذى، مرة عندما تجرح طفلاً، وأخرى عندما يعلق دولاب الدراجة بها.
أمكنة أوجدوها لأنفسهم، تعويضاً عن أمكنة يحلمون أن تكون موجودة، هذا ما يقوله الأولاد، لكن ماذا قالت الاختصاصية في علم النفس الأستاذة رانية أيوب عن التأثيرات النفسية على الأطفال جراء اللعب في الأماكن الضيقة، أو قرب أماكن ملوثة: هناك شقّان للتأثيرات على الأطفال الذين يلعبون في هذه الأمكنة: شقٌ صحيٌّ، وشقٌّ نفسيّ.
أما على الصعيد الصّحي: فقد يتعرض الأطفال إلى الإصابة بأمراض خطيرة نتيجة لعبهم في هذه الأمكنة من التقاط جراثيم، أو التعرض لأمراض جلدية، ولكن الأخطر إذا تعرض الأطفال لإصابات جسدية في حال تعرضوا للسقوط على الأرض. أما على الصعيد النفسي، وهو الأخطر، فإن هناك أمور سلبية عدة قد تؤثر على الأطفال داخل المخيم، من بينها عملية تقليل الثقة بالنفس، وظهور أنواع من الغيرة من الأطفال الآخرين الذين يعيشون خارج المخيم، وعدوانية تجاههم، بحيث إن الأطفال داخل المخيم لا يستطيعون الانتساب لنادٍ، ولا يجدون المساحات الواسعة المتاحة للعب. ففي مدارس المخيم نراهم عندما يُقرع الجرس يخرجون من صفوفهم، وكأنهم في مهرجان، يصدرون أصواتاً عالية تشبه زعيق السيارات، وكلّ ذلك تعبيراً عن الكبت.
وفي ورشة عمل على عينة من الأطفال حول كيفية انتقاء الألعاب الهادفة، ومعرفة ميول الأطفال عند اختيارهم، اختار أطفال المخيم وبشكل غير مباشر ألعاب الحروب، المسدس، وغيرها من الألعاب الشبيهة، فما كان من أولئك الأطفال إلا أن يختاروا ما يتناسب وبيئتهم، فما حال طفل يُولد ويرى صورة الموت والقتل أمامه؟ يختار الطفل ألعابه من واقعه المُعاش، ويبتعد عن الألعاب التي تُجسم الطبيب، أو المهندس، أو أدواتها، وعن الألعاب الفكرية التي تسهم في إعمال العقل، وتشغيل حواسه. وهنا نرى أطفالنا يبتعدون عن الألعاب الثقافية، وهذا ما قد يشكل خطراً كبيراً على شخصيتهم، وفق أيوب.  

السابق
أسير المقابر يهلوس!
التالي
إليسا لا تعرف أصول الغناء