ريفي وتنانير المحاور

هؤلاء الصغار الذين تطاولوا على المدينة، أسيادهم ارسلوا في السابق فتح الاسلام، والشمال ردّهم بأكفان الى اصحابهم"، "أولادنا الذين على المحاور نفاخر بهم لأنهم يدافعون عن كرامة المدينة"، هذه ليست تصريحات داعي الإسلام الشهال، ولا هي صادرة عن أبو العبد كبارة. أيضاً ليست لسالم الرافعي. هذا كلام قاله بالحرف مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي الذي أحيل إلى التقاعد منذ حوالي شهرين فقط.

أثناء تواجده على رأس قوى الأمن، وكيفية تعاطيه مع الواقع الأمني. كان، بكل بساطة، يتمتع بحكمة، بهدوء. عدا عن فعاليته وقُدرته على نسج جهاز فاعل في بلاد لا تمت إلى الفعالية بصلة. كان. ما الذي تغيّر؟ هل هو طموح السياسة؟ حتى هذا لا يُبرر هذا الكلام، في توقيت خطر، على طرابلس كما على كل لبنان. "هؤلاء الصغار" كما وصفهم ريفي، لا يستأهلون أخذ البلد إلى هاوية، حتى العقلاء أو من قيل عنهم كذلك، يسعون إليها.

"لا نستطيع ارتداء تنانير، وسندافع عن شرف المدينة"، أيضاً الكلام لريفي. اللواء، بغض النظر عن ذكورية التعبير، حوّل القضية إلى قضية شرف. كيف؟ بين المسلحين في باب التبانة والمسلحين في جبل محسن، لا وجود لهذا المصطلح أو هذا الفعل الأخلاقي مع مجموعات ميليشياوية، واحدة تتحدث عن إبادة النصيريين، وأخرى ستنحر التكفيريين. شرف طرابلس ليس هنا. لا يُمكن أن يحمل هذا الشرف أي فصيل خارج عن الدولة، التي تربّى فيها ريفي، وهنا الكارثة، وهو ما يجعل المرء يتوقع ما هو أسوأ في المقبل من أيام.

المفاخرة بالأولاد الذين على المحاور! فظيع. هؤلاء الأولاد كما سمّاهم ريفي، من تركهم يصلوا إلى ما هم عليه اليوم؟ سؤال يجب أن يُطرح. قبل العام 2005 مُنع رفيق الحريري من الامتداد شمالاً. السوري حينها لم يحتمل لزعيم سني أن يصل إلى عاصمته بالمعنى المذهبي. حدد له بيروت وصيدا ليجلس بينهما. بعد العام 2005، من الذي منع كل هذه الطبقة السياسية التي تتحدث اليوم عن طرابلس من أن تصل بالإنماء إلى أحياء مزقها الفقر، قبل أن يستولي على أبنائها التخلّف، فلم يجدوا سوى السلاح وأمراء الشوارع ليستثمروا في فقرهم وعوزهم والحرمان الذي يغرقون فيه.

ما قاله ريفي ليس مقبولاً. هو حين استقال نجيب ميقاتي من رئاسة الحكومة كان مطروحاً كبديل. مرشح رئاسة مجلس الوزراء لا يُمكن أن يتحدث كزعيم ميليشيا أو أن يستنسب في حديثه كما يريد. فوق هذا، لا عقل يُمكن أن يقتنع بأن "صغار" جبل محسن هم وحدهم المعتدون. هو كان رجلاً أمنياً من الطراز الأوّل، ألم يعلم بماذا عاد خضر المصري من تركيا؟ إن كان كذلك، كارثة، وإن كان يعرف وتحدث بهذه الطريقة فهي بلا أدنى شك، كارثة أكبر.

الدخول إلى عالم السياسة حق لريفي، أساساً ليس بحاجة للكثير ليقول للطرابلسيين إنه موجود. دخوله بهذه الطريقة لا يضيف إليه شيئاً، بل العكس. معركة استعادة الشارع لا يمكن لها أن تكون بالذهاب بالتوتير إلى ما يريده خصوم اللواء ومن يُمثّلهم. عسى أن يكون ما قاله اللواء، ليس ترجمة لما سبق وقاله سعد الحريري: "نحن من جهتنا سيكون لنا ما يتناسب مع ذلك وعلى كل المستويات السياسية وغير السياسية".

أبناء طرابلس من الجبل أو من محيطه، يجب ألا يكونوا على المحاور.هم بالتأكيد يستحقون أفضل من ذلك بكثير.على الأقل هم يستحقون الحياة، لا أن يكونوا على خطى من مهّد لثقافة الموت. هؤلاء الفقراء، يريدون القليل من الدولة، لا الكثير من الميليشياوية.

السابق
لسنا ارهابيين.. حتى نعتذر
التالي
طرابلس أخطر من القصير