فضل الله: لتجاوز الحساسيات وإخراج المقاومة من دائرة التراشق

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، "فتقوى الله، كما قال الإمام علي، مفتاح سداد، وذخيرة معاد، وعتق من كل ملكة (من رق الشهوات والأهواء)، ونجاة من كل هلكة، بها ينجح الطالب، وينجو الهارب، وتنال الرغائب. ومن التقوى الاقتداء بموقف سودة بنت عمارة الهمدانية، التي وقفت بكل جرأة وعنفوان أمام معاوية قائلة له: "إن الله سائلك عن أمرنا، وما افترض عليك من حقنا، وما زال يقدم علينا من قبلك من يسمو بمكانك، ويبطش بقوة سلطانك، هذا بسر بن أرطأة، قدم علينا، فقتل رجالنا ونهب أموالنا، فإن عزلته عنا شكرناك، وإلا كفرناك. فغضب معاوية وقال: إياي تهددين يا سودة بقومك، من أنت حتى تفعلين ذلك فأطرقت سودة باكية ثم أنشدت تقول: صلى الإله على جسم تضمنه، قبر فأصبح فيه الحق مدفونا، قد حالف الحق لا يبغي به بدلا، فصار به الحق والإيمان مقرونا. فقال معاوية: من هذا يا سودة؟ قالت: هو والله، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. والله يا معاوية، لقد جئته في رجل كان قد ولاه صدقاتنا فجار علينا، فصادفته قائما يصلي، فلما رآني، انفتل من صلاته، ثم أقبل علي برحمة ورفق ورأفة وتعطف، وقال لي: ألك حاجة؟ قلت نعم، وأخبرته الخبر، فبكى ثم توجه إلى ربه قائلا: اللهم أنت الشاهد علي وعليهم، وإني لم آمرهم بظلم خلقك. ثم قام علي وأخرج قطعة جلد، فكتب فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم، قد جاءتكم بينة من ربكم، فأوفوا الكيل والميزان، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين"، فإذا قرأت كتابي هذا، فاحتفظ بما في يديك من عملنا، حتى يقدم عليك من يقبضه منك، والسلام. ثم دفع الرقعة إلي، فجئت بها إلى صاحبها، فانصرف عنا معزولا".

اضاف: "هذا هو علي في عدله، كان لا ينام وهناك إنسان يظلم ويعاني ويضطهد، وهو الذي كان يقول: القوي العزيز عندي ضعيف حتى آخذ منه الحق، والضعيف الذليل عندي قوي عزيز حتى آخذ له الحق. "وأيم الله، لأنصفن المظلوم من ظالمه، ولأقودن الظالم بخزامته، حتى أورده منهل الحق، وإن كان كارها".

واكد ان "الإخلاص لعلي وحبه يتحقق عندما نرفع صوت الحق والعدل في وجه كل الذين يستبيحون كرامات الناس وأمنهم وحياتهم ومقدراتهم، فلا يظلم ولا نقبل أن يظلم إنسان بيننا، وبذلك نواجه مسؤولياتنا، خصوصا في مواجهة الكيان الصهيوني الذي يواصل زيادة منسوب القوة لديه، وتعزيز قدراته العسكرية، وهو يستعد لمغامرات قد يقدم عليها عندما يرى الفرصة سانحة له".

وقال: "في هذا الوقت لا تزال الفتن تعصف بهذا العالم العربي والإسلامي لتأكل أخضره ويابسه، ولا سيما في البلدان التي يخشى العدو الصهيوني أن تشكل توازنا استراتيجيا معه، وتقف في وجه طموحاته التوسعية في فلسطين والمنطقة. ففي العراق، لا تزال التفجيرات الوحشية المتنقلة تعبث بأكثر من منطقة عراقية، لتصيب مسجدا هنا أو حسينية هناك، ليستكمل من خلالها مشهد الفتنة المذهبية التي يراد للعراقيين أن يكونوا وقودها، ليبقى العراق في دائرة الاهتزاز الأمني لحسابات أقليمية ودولية".

واضاف: "إننا في الوقت الذي ندين هذه الأعمال الإجرامية من أي جهة كانت، نحيي كل الأصوات التي انطلقت أخيرا لمواجهة دعوات الفتنة والعبث بالوحدة الوطنية والإعلان عن إقامة صلاة جمعة واحدة في بغداد أو غيرها، كما ندعو مجددا القيادات العراقية إلى الإسراع في معالجة كل الثغرات الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتلبية المطالب المحقة للعراقيين، بحيث يشعر الجميع، سنة وشيعة ومسيحيين، وصابئة وعربا وأكرادا في العراق، أنهم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات".

وتابع: "نصل إلى سوريا، حيث لا يزال هذا البلد على حاله في الاستنزاف الداخلي لكل قواه وقدراته، ممن لا يريدون له أن يكون قويا، ليقف حجر عثرة أمام المشاريع الاستكبارية. ونحن في الوقت الذي نأمل أن تنطلق مسيرة الحوار في سوريا، ندعو الجميع إلى أن يكونوا واعين لسياسات الدول الكبرى التي لن تأتي بالحلول لحساب أحلام الشعوب وتوقها إلى العزة والحرية والعيش الكريم، بل لحساب مصالحها، ولا سيما أمن الكيان الصهيوني وإبقاءه الأقوى في المنطقة".

وجدد التأكيد على "كل مكونات هذا الشعب، ضرورة الإسراع في التلاقي والحوار، لجعل الحل سوريا، فلا يترك بيد الآخرين الذين لن يستعجلوا الحلول إلا بعدما يطمئنوا إلى أن الجميع أثخنوا بالجراح وهم على استعداد ليسلموا لشروطهم".

وقال: "نصل إلى لبنان، حيث لا يزال هذا البلد يعاني من عدم رغبة الكثيرين من أصحاب القرار في إيجاد الحلول لكل القضايا المطروحة، فلا القانون الانتخابي العصري والجامع أنجز، ولا شكلت الحكومة العتيدة التي تساهم في معالجة المشاكل المستعصية الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، فضلا عن الأمنية، ليبقى هذا البلد في دائرة الفراغ الذي قد يلتقي مع فراغ آخر في مواقع أخرى، حيث الكل مشغول بما يجري حوله وينتظر إنجلاء الصورة ليبني على الأمر مقتضاه".

واضاف: "هنا نعيد القول لكل السياسيين: كفى هذا البلد انتظارا، لقد انتظرنا طويلا التطورات هنا أو هناك، ولم نجن إلا الويلات والدمار، فلنجرب ولو لمرة واحدة أن نأخذ قرارنا بيدنا ببناء وطن على أساس الشراكة الحقيقية والتعاون، وعلى الجميع أن يقدروا خطورة المرحلة، والتداعيات الحاضرة والمستقبلية، ولا سيما بعد انغماس اللبنانيين في الملف السوري، والذي باتت تردداته واضحة في الداخل اللبناني، وفي المعارك العبثية المستمرة في جبل محسن وباب التبانة التي سقط فيها عشرات الضحايا، وفي أكثر من منطقة، حتى وصل شظاياها إلى الجيش اللبناني صمام الأمن الأساسي في هذا البلد".

ودعا "الجميع إلى الإسراع في الخروج من حساباتهم الخاصة ورهاناتهم الذاتية إلى حسابات الوطن، والابتعاد عما يساهم في إشعال الفتنة، فحذار حذار من الفتنة التي بدأت تطل برأسها بعدما توافرت الكثير من عناصرها. وإننا في أيام التحرير المجيدة، ندعو اللبنانيين جميعا إلى العودة بذاكرتهم إلى السنوات الخوالي، حين استطاعوا من خلال وحدتهم أن يهزموا أعتى قوة في المنطقة، وأن يدفعوها لتجر أذيال الخيبة والخسران وتخرج ذليلة، ولأول مرة من بلد عربي، من دون أن تحصل على أي مكسب سياسي وأمني، حتى إنها وصلت إلى حد طالبت فيه بتنفيذ القرار 425، وهي التي كانت قد ضربت به عرض الحائط، كما كل القرارات الدولية".

وشدد على ان "هذا البلد استطاع من خلال مقاومته ووحدة أبنائه وتعاونهم، أن يقدم نموذجا في القوة عندما أسقط عنفوان هذا العدو، على الرغم من الإمكانات المتواضعة، فلا تشوهوا هذه الصورة من خلال الخطاب السياسي المتشنج والمتنافر والمتقاتل. وهنا، ندعو الجميع إلى أن يتجاوزوا كل الحساسيات الموجودة، وإخراج المقاومة من دائرة التراشق، فهي وديعة الوطن ووديعة الشهداء إلى حين دحر العدو وبناء الجيش الوطني، فلا تستدرج هذه المقاومة إلى معارك الداخل، ولا يصوب عليها، حيث يكفيها تصويب العدو الصهيوني وما يخطط لها في الخارج".

ودعا "المقاومة المتلاحمة مع الجيش وكل الوطن، إلى إبقاء جهوزيتها في مواجهة العدو الصهيوني، الذي لن يقبل بهزيمته، وهو يتحدث، بمناسبة وبدون مناسبة، عن الاستعداد للثأر لهزيمته العام 2000، وفشله العام 2006".

وختم: "إننا في يوم التحرير، نعيد التهنئة لكل المقاومين، مستذكرين جهادهم والشهداء وصمود أهلنا من جبل عامل والبقاع الغربي وكل الوطن، ونقول لهم: قدرنا أن تبقى يدنا على الزناد في مواجهة هذا العدو، فلنواصل الطريق لكي يبقى لبنان قويا وأنموذجا لكل الأحرار في العالم".
  

السابق
جلسة لمجلس الوزراء عصر الاثنين المقبل في القصر الجمهوري في بعبدا
التالي
عبدالرازق: دعم سوسان دعم للاستقرار في صيدا والجوار