من عكار “لك الله يا قصير”

بدأت تداعيات معركة القصير تطل برأسها على عكار من بوابة أكروم التي عرفت هدوءاً لافتاً على امتداد الأزمة السورية، ومن بوابة وادي خالد التي رُفعت على حدودها سواتر ترابية منعاً لتسلل المقاتلين.

صباح أمس استهدفت القذائف محلتي النصوب وحلواص والنبي بري وبلدتي قنية والمونسة في جبل أكروم، وسقط جرحى سوريون ولبنانيون، وذلك تزامناً مع تشييع جثث خمسة مقاتلين لبنانيين سقطوا في الاشتباكات الدائرة في منطقة القصير السورية. وعلمت «الأخبار» أنّ اثنين منهم من منطقة أبي سمراء في طرابلس، فيما الثالث من منطقة الملّولة، أما الرابع فهو أحد أبناء التبّانة والخامس من بلدة الشيخ عيّاش العكّارية.
ويُعبّر أبناء منطقتي وادي خالد وأكروم عن رفضهم الزج بمناطقهم في أتون معركة القصير، ولو حتى من باب عدم الرغبة في التعليق على سقوط القذائف. فقد تحدث مختار حنيدر، طلال العلي، لـ«الأخبار»، قائلاً إن القذائف سقطت في الجرود البعيدة عن وادي خالد «ونحن نضبط الحدود بشكل جيد».
كذلك، أكد رئيس بلدية المونسة أحمد نعمان أن وجهاء جبل أكروم عقدوا اجتماعاً الأسبوع الماضي، ناشدوا فيه القوى الأمنية تكثيف حضورها، منعاً لأي اختراق يحدث عبر جبل أكروم، لكن «لا حياة لمن تنادي»، مضيفاً أنه «من جهة أهل أكروم لا أحد يتدخل، لكن في الليل الدني فالتة، ولا نستطيع إقامة حواجز لضبط الغرباء».
منذ بدء المعركة في ريف القصير لم تبدِ عكار حماسة لتلبية الدعوات «الجهادية»، حتى إن خطباء مساجد في بعض القرى الحدودية عبّروا علناً عن رفضهم تلك الدعوات، كما رشحت معلومات أن رؤساء بلديات أجروا اتصالات مباشرة بجهات أمنية لردع تحركات مشبوهة، كان يُعدّ لها عبر الحدود.
وكان لافتاً في الذكرى السنوية لمقتل الشيخ أحمد عبد الواحد عدم تطرق المتحدثين في مهرجان بلدة الكواشرة إلى أحداث المدينة السورية، طبعاً باستثناء النائب خالد ضاهر ومنسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد.
واستغل سعيد المناسبة للهجوم على دور حزب الله «بتكليف إيراني»، والذي «سيكلف لبنان أثماناً غالية»، وليجدد «من أرض عكار.. دعمنا للثورة البطلة في سوريا ضد نظام الأسد».
لم تعد عكار متحمسة لدفاع مسيحيي 14 آذار عن حقوق السنّة، وخصوصاً بعد تقلب مواقفهم تجاه قانون اللقاء الأرثوذكسي، بل ثمة تغيّر ملحوظ في مزاج العكاريين إزاء الأحداث السورية، وإزاء مجمل القوى الداعمة للمعارضة السورية.
فمنذ قيام وفد كبير من الرابع عشر من آذار بزيارة منطقة وادي خالد في الأشهر الأولى للأزمة السورية، ثم قدوم عضو مجلس الشيوخ الأميركي جوزاف ليبرمان إلى المنطقة نفسها ليقول إن «دول المنطقة لم تقم بما يلزم لدعم المعارضة السورية»، وعكار نيابة عن «دول المنطقة» تتحمل عبء ترددات الأزمة السورية، لم تتوقف المناوشات، ولم يتوقف اندفاع النازحين السوريين نحو عكار، بأعداد كبيرة، بينما تجول المؤسسات المحلية والعربية والدولية عكار طولاً وعرضاً. تسجل أسماء النازحين، وتعقد الاجتماعات، وتحضر المساعدات، تسرق بعضها، وتقدم البعض الآخر، لكنها لا تلتفت بحال من الأحوال إلى منطقة عكار التي وصفها رئيس جمعية تجار عكار إبراهيم الضهر بحالة «الإفلاس غير المعلن».
يبدو أن القوى الفاعلة على الساحة العكارية تدرك أنها لم تعد تستطيع تحميل العكاريين ما لا طاقة لهم على احتماله، خصوصاً أن النزر اليسير من الإمكانيات التي تملكها قوى الرابع عشر من آذار والدول الداعمة لها لا يتناسب أبداً مع واقع «عكار المحرومة»، لذلك جاءت الوقفة التضامنية في ببنين، البلدة الأكبر في عكار، التي دعت إليها الجماعة الإسلامية إزاء معركة القصير تحت عنوان «لك الله يا قصير».

السابق
الأخبار: “المستقبل” يطلب ثمناً حكومياً للتمديد للــمجلس
التالي
مصدر رئاسي: سليمان منفتح على كل المخارج الدستورية