“ذكرى التحرير” في القصير

استنكار تدخل "حزب الله" في سوريا يعني ايضاً، ومن دون لبس، استنكار سحب مقاتلي المقاومة من مواقعهم في جنوب لبنان لإرسالهم الى القتال في سوريا، الى قتل الشعب السوري. تلك مقاومة قد تقود الى الشهادة المقدسة، وهذه جريمة تلغ في وحول الخطأ القومي والعروبي والديني والانساني والاخلاقي. بل انه الخطأ التاريخي الذي لم يشأ أصحابه ان يتعلموا شيئا من دفع مقاتلي المقاومة الى غزوة بيروت في 7 ايار 2008. صنعوا المقاومة ويمعنون في تلويث طهارتها وتحطيم صورتها. استثمروا الكثير من الدم والعرق والمعاناة في هؤلاء الشباب اللبنانيين وها هم يرمونهم في حرب قذرة.

"حزب الله" يبحث عن "انتصار" للنظام السوري في القصير، لكن من اجل ماذا طالما انه مدرك ان كل "الانتصارات" لم تعد كافية لانقاذ هذا النظام، وبالأخص لإبقائه حاكماً ومسيطراً ومفرطاً في الاجرام والوحشية. في أحسن الاحوال، انهم يقاتلون لـ"تحرير" القصير من اهلها، لـ"تحرير" سوريا من شعبها، اي لتهجيره وتدمير عمرانه. ما أسوأ المفارقة اذ تحل الذكرى الرابعة عشرة لتحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي فيما يخوض مقاتلو المقاومة معركة لم يتوقعوها ولم يتمنوها في القصير. كيف اتفق انهم اصبحوا يتصرفون كما لو ان المقاومة باتت عبئا على نفسها؟

في الحروب مع العدو الاسرائيلي لم يكن "حزب الله" يتعجل اعلان اسماء الشهداء، وبالكاد يبوح بعددهم، وقد كانوا مصدر فخر واحترام له ولكفاحه، بل كانوا عنوان اعتزاز للبنانيين والعرب. اما في هذه الحرب ضد الشعب السوري فيبدو متساهلا في تسريب اعداد القتلى وحتى اسمائهم، غير مبال بأن اسباب الافتخار والاعتزاز غير متوفرة هذه المرة، وان للأسماء عائلات، وان ثمة عائلات سورية تحمله مسؤولية قتل ابنائها، اي انه صار متورطا في صناعة الموت والضغائن.

لا يستحق النظام السوري وزمرته ان تراق نقطة دم واحدة من اجلهم، ولا لأي سبب على الاطلاق. فمن لا يساعد نفسه تصعب مساعدته. نعم، ربما كان الوفاء للحليف مبررا لهذا التورط، لكن هل من الوفاء للمنتحر ان تنتحر معه، وهل ان اسطوانة "المقاومة" و"الممانعة" المشروخة كافية لاقناع عائلة ثكلى بأن ابنها ارسل الى المكان الصح للقيام بالواجب الجهادي الصح؟

الواقع المؤلم ان شباب "حزب الله" يقضون ضحية قضية بائسة، ويضحون من اجل نظام ثبت انه ظالم، ولم يعرف التاريخ اي مقاومة اصيلة تبنى على الظلم. ولا يكتفي النظامان السوري والايراني بإرسالهم الى خط النار وقوداً للمعركة، بل انهما يستخدمان جثثهم واسماءهم لأغراض الترهيب في لبنان. فكلما اعلن عن قتيل لـ"حزب الله" في سوريا كلما تصاعد التوجس من ردود فعله في لبنان. انه لا يريد حكومة ولا انتخابات. وهذا كان موقفه الحقيقي قبل التورط في سوريا، ولا يزال بل تأكد بعده، ولن يعيد النظر فيه الا وفقا لتطورات المعركة.

السابق
كم عدد قتلى حزب الله؟
التالي
الفيصل وعقدة طرابلس!