القُصير… بأبعادها اللبنانية

كل المعطيات كانت تشير الى اقتراب هذه المعركة. منذ نحو الشهر تقريباً، أحكمت القوات السورية الطوق حول «القُصير» بعدما أخرجت مسلحي المعارضة من قرى الريف. «حزب الله» بدوره كان قد أنجز المهمة.

قرى "غربي النهر" جميعها تحت السيطرة. القرار المتّخذ تشديد الحصار، قطع طرق الإمداد "اللبنانية والسورية"، وضرب نقاط الضعف لدى "العدو". ومن يعرف اهمية المدينة العسكرية والإستراتيجية وكان مطلعاً على هذه الصورة على الارض، كان مدركاً ان "معركة تحرير القُصير" من الجماعات المسلّحة قد اقتربت.

لم تكن معركة القصير مقررة صباح السبت – الاحد الماضي. ما جرى هو ان قوات خاصة من النخبة كانت تقوم بما يسمّى في العلوم العسكرية "إستطلاع بالنار"، حيث دخلت مجموعات من محاور عديدة، وبسرعة فائقة، فتراجع امامها المسلحون في القُصير بشكل لافت، وقرر المسؤولون عن العملية استكمال "الهجوم الاول" الذي استمرّ بشكل مكثّف حوالى اربع ساعات، سيطرت خلاله القوات المهاجمة على نسبة سبعين في المئة من المدينة الصغيرة.

الهجوم المفاجئ والمباغت بحسب بعض المصادر، أربك مقاتلي جبهة النصرة والمجموعات المسلحة من جنسيات عربية واجنبية، البعض منهم هرب باتجاه "الحارة الشمالية" المفتوحة على بعض قرى الريف الشمالي التي لا تزال تشهد قتالاً، والبعض الآخر استسلم للجيش السوري، والبعض قُتل في المعركة.

بعض المعلومات تتحدث عن وجود عناصر اجنبية وعربية مهمة في قبضة الجيش السوري. وبعضها يتحدث عن إلقاء القبض على جنود "اجانب" لكنها لم تتأكد من مصادر متقاطعة.

تتحدّث المعلومات عن عناصر شيشانية قاتلت ولا تزال تقاتل في القُصير. وأن هذه العناصر مدرّبة على حرب المدن بشكل محترف. وقد خاضت هذه العناصر حروباً قوية ضد الجيش الروسي في غروزني العاصمة الشيشانية، ونالت تدريباً محترفاً على ايدي عناصر من النخبة والاستخبارات الغربية عندما جرى اعدادها لحرب في الشيشان. هذه المجموعات اثبتت قوة وفاعلية على الارض في "معركة القُصير".

وتميّزت بالقدرة على التفخيخ، والقنص. وفي المعلومات ايضاً أن مجمل الشهداء الذين سقطوا من الجيش السوري وحزب الله، سقطوا جرّاء "تشريكات" من الالغام تركها المقاتلون خلفهم، وانفجرت بالمجموعات التي كانت "تطهّر الارض".

والبعض الآخر جرّاء عمليات القنص اثناء تقدمهم. وهذا ما عكس نفسه صعوبة في السيطرة على "المناطق المحرّرة" واعطى المسلحين نفساً في "الحارة الشرقية" حيث راحت بعض الفضائيات العربية تتحدّث عن "صمود الجيش الحر" في القُصير، فيما الحقيقة انه استطاع إشغال القوات المهاجمة بعض الوقت حتى انسحاب غالبية المجموعات ناحية الشمال.

المعركة لم تكن سهلة، والقصير في طريقها الى "الشرعية" خلال وقت قصير على حدّ تعبير مصادر متابعة على الارض. صعوبة الامر تكمن في الطبيعة الجغرافية للمنطقة، وعدد القوات المتحصّنة في الداخل، إضافة الى التحصينات والأنفاق والخنادق التي بناها المسلحون خلال سيطرتهم على المدينة منذ سنتين. وهذا ما يبرّر العدد الذي سقط من الشهداء، والذي قد يرتفع الى حين الانتهاء من المعركة نهائياً.

لكنّ الأعداد المتداولة في وسائل الاعلام حول عدد الشهداء والجرحى ليست دقيقة، مع العلم بأن ايّ خبير في العلوم العسكرية سيجد الرقم المتداوَل "قليلاً" قياساً بحجم المعركة وضخامتها والاهمية الحيوية للمدينة القريبة من الحدود اللبنانية.

ثمّة "وجه لبناني" واضح ومؤكد لمعركة القُصير. طرفا النزاع اللبناني حول المسألة السورية ينظران الى المدينة من منظار استراتيجي، فسقوطها بالنسبة للطرف المساند للمعارضة سيفقدها قاعدة متقدمة في الميدان، ونقطة ربط وامداد وتسليح وتجهيز عبر لبنان من عرسال والحدود الشمالية.

اما بقاؤها في يد المجموعات المسلّحة يعني بالنسبة لحزب الله انقطاع أحد "طرق المقاومة والامداد"، حيث تشير المعلومات الى أن الحزب بدّل وسائل وسبل وطرق التسلّح وإدخال السلاح الى المقاومة في لبنان بعد اندلاع الازمة في سوريا. ودخوله على خط المواجهة المباشرة في القُصير يستند الى هذا البعد المتعلّق بسلاح المقاومة ومنافذ امدادها بالسلاح في ظل الحرب التي تُخاض ضد دمشق.

اشتعال جبهة باب التبانة جبل محسن، مصداق "الابعاد اللبنانية" لمعركة القُصير. حزب الله بحسب المعلومات رفع الجهوزية عند عناصره منذ اندلاع المعركة، خوفاً من ردات فعل "انتقامية" في بعض المناطق المحسوبة عليه.

وهو لا يزال يبلغ من يعنيهم الامر جميعاً، أنه ليس في وارد نقل المشكلة الى لبنان، وأنه سيردّ بقوّة وحزم إذا تعرّض لأيّ إعتداء داخلي، والارجح ان الرسالة وصلت… هذا ما تظهره ردود الفعل الداخلية حتى الآن.

السابق
الفيصل وعقدة طرابلس!
التالي
احمدي نجاد ندد برفض ترشيح حليفه مشائي