الانتخابات الإيرانية: الحرس انتصر وسيحّول إيران إلى «الدولة الثكنة»

الشيخ هاشمي رفسنجاني

ضرب حرس الثورة الإيراني ضربته القوية، عبر نجاحه في حمل مجلس صيانة الدستور على استبعاد ترشيح كلٍ من هاشمي رفسنجاني واسنفنديار رحيم مشائي عن معركة الرئاسة. والآن باتت الأبواب مفتوحة على مصراعيها أمام الحرس للاستيلاء على منصب الرئاسة، ومن بعده على موقع ولي الفقيه.

إنها الحقبة العنفية الروبسبيرية من الثورة الإسلامية الإيرانية وهي تقترب من انتصارها النهائي، بعد أن كانت في العام 2009 (مع تزوير الانتخابات وقمع الثورة الخضراء بالعنف) قد بدأت مسيرتها نحو مصادرة كل السلطات الدينية والمدنية والعسكرية في البلاد.

هذا التطور يترافق مع أحداث أخطر كانت تجري تحت سطح المجتمع السياسي والمدني الإيراني منذ فترة غير قصيرة، أبرزها كانت عملية التلاعب بالعملة الإيرانية (الريال).
من كان يتلاعب بالريال ويهدد الاقتصاد (ومعه ربما النظام السياسي الراهن برمته) بالانهيار؟
التحليلات قبل أشهر كانت كثيرة. لكن معظمها ركّز على الدور الكبير للعقوبات الاقتصادية والمصرفية والنفطية الغربية، وعلى سوء السياسات الاقتصادية لإدارة الرئيس أحمدي نجاد التي اعتمدت على توزيع “الصدقات والفتات (TRickles)) على بعض فئات الشعب.

لكن الواقع أن ثمة ما هو أهم من هذين العاملين المهمين: وجود أطراف نافذة داخل السلطة تقوم بالمضاربة على العملة الإيرانية، التي فقدت 60 في المئة من قيمتها خلال سنة واحدة، لجني الأرباح الطائلة بين ليلة وضحاها، وأيضاً لتصفية حسابات سياسية.
الحديث عن هذا الاحتمال بدأ خافتاً، لكنه مالبث أن انفجر وطفا على السلطح، بعد أن تبيّن أن العديد من شركات الصيرفة التي تم إغلاقها لوقف تدهور الريال ترتبط مباشرة ببعض القادة ، لكنها لاتزال تعمل بالسر بغطاء منهم.

ماذا يعني هذا التطور؟
الكثير.
فهو يعني أن الفساد في بيروقراطية الدولة الإيرانية أفلت بالفعل من عقاله، كما يعني أن الزخم المثالي الجمعي الذي ميَّز الثورة الإيرانية العام 1979 أخلى السبيل أمام “خلاص فردي” عبر التسابق على الغنائم ومراكمة الثروات. وهذا ماجعل السلطة الإيرانية الراهنة تشبه شيئاً فشيئاً النظام الشاهناشي السابق الذي أطاحته. وهذا ليس على الصعيد الاقتصادي- الاجتماعي، بل أيضاً على الصعيد الأمني- السياسي.
كيف؟
هنا، نجد أنفسنا مجدداً أمام ظاهرة الحرس الثوري الذي يعتبر الجهاز العصبي الرئيس للبنية السياسية- الإيديولوجية للنظام، فضلاً عن أنه أيضاً لاعب رئيس في الإقتصاد. وعلى رغم أن آية الله الخميني دعا في آخر وصية له العام 1988 القوات العسكرية إلى ” الإبتعاد عن التدخل في شؤون الأحزاب السياسية”، إلا أن العكس هو الذي حدث. فالدولة الدينية التي نشأت العام 1979، سرعان ما تحَولت بفعل ديناميكيات الثورة ومضاعفات الحرب مع العراق إلى ” الدولة- الثكنة ” التي يسيطر بموجبها العسكر على كل مناحي الحياة السياسية والإقتصادية والثقافية.
الحرس هم الان العقبة الحقيقية أمام الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية- الاجتماعية. و”القوات الخاصة ” التابعة له مدرَبة ليس على مواجهة غزو خارجي، بل على قمع الإنتفاضات السياسية والإجتماعية الداخلية (كما فعلت العام 1999 ضد إنتفاضة الطلاب والعام 2008 ضد الثورة الخضراء). كما أن جهاز الإستخبارات الخاص بالحرس الذي يطلق عليه إسم ” وحدة الحفاظ على المعلومات” موجود في كل مكان جنباً إلى جنب مع أجهزة الامن والأستخبار الأخرى. الحرس مسؤول كذلك عن قوة الصواريخ الإستراتيجية الأيرانية ” شهاب “، ويعتقد أنه يدير المشروع النووي الأيراني.
بيد أن قوة هذا الجهاز الأهم تكمن في الإقتصاد. فهو يعمل طليق اليد في كل المجالات الإنتاجية من دون حسيب سياسي أو رقيب قانوني، ويحصل على صفقات تقدَر بمليارات الدولارات سنوياً من الدولة. وعلى سبيل المثال، نالت شركة ” خاتم الأنبياء ” التابعة له عقداً بقيمة 1،3 مليار دولار للقيام بنحو 1222 مشروعاً صناعياً وتعدينياً. ثم بعد هذا العقد بثلاثة أيام، أبرم الحرس صفقة آخرى مع شركة ” طهران ميترو ” الحكومية بقيمة 2،4 مليار دولار. وفي تموزيوليو الماضي، وافقت وزارة الطاقة على قيام مقاولي الحرس بالأشراف على كل مشاريع البنى التحتية بما في ذلك الماء والكهرباء والجسور، في غرب إيران.
لكن الأمر لايتوقف عند حد الصفقات الرسمية. إذ يقول الإصلاحيون المعارضون، مثل مهدي كروبي وعلي قنباري، أن الحرس “يسيطر بشكل غير شرعي على 60 حوضاً بحرياً، مما يسمح له بالهيمنة على ثلث واردات البلاد وإدارة أسواق غير شرعية وإقتصاد سري” . ويضيف هؤلاء أن الحرس يستخدم أحياناً القوة للحصول على المشاريع الإقتصادية الكبيرة، كما حدث العام 2005 حين رفضت شركة “أوريانتال كيش للنفط ” طلب شراكة متساوية معه، فعمد الحرس إلى إعتقال نائب رئيس الشركة سيروس ناصري، ثم وضع يده على المنصات النفطية البحرية التي تديرها الشركة.
منصور سيواغيرا، أحد مؤسسي الحرس العام 1979 يلخَص كل هذه المعطيات بالكلمات الآتية : ” ما كان مرة في السابق حرساً ثورياً، أصبح الان مافيا “.
هل ثمة مبالغة ما في تقييم سيواغيرا ؟ ربما، خاصة حين نتذَكر أن مرشد الثورة يمتلك صلاحيات شبه مطلقة على الحرس. وبالتالي يد هذا الاخير ليست طليقة تماماً.
لكن، ما لايحتمل المبالغة هي الحقيقة بأن الحرس، بتركيبته الإيديولوجية ومصالحه السياسية والإقتصادية الضخمة، يلعب في إيران الدور نفسه الذي يلعبه الجيش في تركيا وإن بشكل معكوس: الاول يعمل كـ”حارس” للنظام الديني، فيما الثاني يمارس دور ” حامي ” النظام العلماني. لكن في كلا الحالين، المصالح الضخمة هي القاسم المشترك، وهي الحاكم سعيداً في كلا الجهازين.

الحرس، أو بعض قادته، هم من يتلاعب بالريال ويستغل المصاعب الاقتصادية الكبرى في إيران لمصلحته، وهم من انتصروا أمس على أيه الله خامنئي في معركة الرئاسة عبر استبعاد المرشحين الأكثر تهديداً لزحفهم الهادف إلى إحكام القبضة على كل السلطات، وإلى تحويل إيران إلى “الدولة الثكنة”.
إذا ما سار كل شيء الآن كما تشتهي سفن الحرس، فهذا يعني أن هذا التيار الحاكم قد تحوّل بالفعل إلى حزب بلشفي جديد، ولكن في أواخر عهد الاتحاد السوفييتي لا في بداياته. وهذا سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى ثورة اجتماعية وسياسية جديدة في إيران. سيؤدي إلى ربيع إيراني.
إنه قانون ابن خلدون وبول كينيدي حول صعود وسقوط الدول، يكرر نفسه بلا كلل أو ملل.

السابق
حزب الله شيع احد عناصره في صيدا وسط اجراءات امنية
التالي
سفارة الامارات كرمت بلديات جنوبية