فرنجية يختلف بصمت مع عون

غياب سليمان فرنجية و«مردته»، اقلّه اعلاميا، عن «طبخة البحص» في مجلس النواب ثم في عين التينة، كان فاقعا. «الوكالة» التي وقّعتها بنشعي للحلفاء لتمثيل «المردة» في اجتماعات «تضييع الوقت» حجّة غير مقنعة، بالنسبة لكثيرين.

«البيك» اكثر متقني سياسة الصمت في هذه الايام، وكلّما كان الصمت طويلا، أقلّه محليا، كلما اختزنت القلوب كلاما من «العيار الثقيل».

شوهد فرنجية آخر مرة علنا في دارة النائب سامي الجميل في بكفيا. بعدها لا حسّ ولا خبر، ولا حتى تدخّل «طارئ» على خط الجبهة التي اشتعلت فجأة بين الرابية ومعراب، على خلفية «الأرثوذكسي».

حمّل لقاء بكفيا أكثر بكثير ممّا يحتمل، بعدما سبقته اشارات اعتبرها البعض نافرة بين الحليفين. يتسرّب من كواليس «البيك» استياء ظاهر من سوء التنسيق في تعاطي «فريق 8 آذار» مع تكليف تمام سلام، كما في ملفي قانون الانتخابات والتأليف الحكومي، ولو أن التنسيق بين «الضاحية» وبنشعي في أعلى مستوياته.

يدخل «حزب الله» مجددا، كالعادة، على الخط من دون ان يتمكّن من تضييق مسافة المآخذ المتبادلة، والتي ترجمت بغياب أي ممثل لـ«المردة» عن الاجتماعات التنسيقية لـ«قوى 8 آذار». مقاطعة تظللها مساع غير مرئية لتقريب وجهات النظر.

رسم اللاعبون على وتر العلاقة بين فرنجية وحلفائه «دراما» سياسية. يصعد الوزير علي حسن خليل واحمد بعلبكي في 30 نيسان الى بنشعي في مهمة لإقناع فرنجية بالمشاركة في اللقاء الذي كان سيعقد في الليلة نفسها مع الرئيس المكلفّ. لا يقتنع «البيك»، يصرّ على مقاطعة اجتماع المصيطبة، ليظهر في اليوم التالي ضيفا فوق العادة في بكفيا.

يرفض «المَرديون» هذا السيناريو، مؤكدين بأن الاجتماع يومها مع موفديّ بري حدّد موعده قبل اسبوع، وأتى في اطار التنسيق الدائم بين الجانبين، وكان الجو ايجابيا للغاية، فيما اللقاء مع تمام سلام تقرّر قبل يوم واحد. في المقابل، فإن الجلوس الى مائدة «الشيخ سامي» كان من قبيل «ترييح» الجو المسيحي.

حاليا لا يتبرّع أحد من «المَرديين» في تظهير حقيقة الخلاف مع ميشال عون، والذي ترجم في أحد جوانبه بالتغيّب عن اجتماع المصيطبة. لكن العارفين يصوّبون البوصلة باتجاه جبران باسيل ولا يريدون أن يضيفوا أي كلمة. الأداء. التفرّد. التحكم بشروط اللعبة. تجاهل الآخرين. كل ذلك يولّد حساسيات في بنشعي.

اللقاءات الأربعة التي جمعت باسيل بسمير جعجع في معراب من اجل «تأمين الوحدة المسيحية» حيال قانون الانتخاب لم يُعلِم «الجنرال» بها مسبقا حليفه المسيحي سليمان فرنجية، تماما كما لم يُعلِم الاخير عون بنيته زيارة سامي الجميل، مثلما لم يطلع أحدهما الآخر على نتائج هذه الزيارة واللقاءات الأربعة التي بلّغت بنشعي بعض الاشارات عنها، لكن ليس من الرابية.

بنشعي لم تكن راضية أصلا عن زيارات معراب، مفترضة انها تعرف سمير جعجع «على حقيقته» وأن الرجل لا يفكر بمصلحة المسيحيين انما في مصلحته هو شخصيا، في وقت راهن فيه ميشال عون على جرّ «الحكيم» الى ملعبه، وصولا الى محاولة تقديم بعض المغريات التي لا يجوز الحديث عنها الآن، وهي ملاحظة ينفيها العونيون ويقولون إنهم تعاملوا مع «الحكيم» من دون أوهام… وفقط لتعريته أمام جمهوره وليس جمهورنا الذي اختبره في الماضي والحاضر… أكثر من أي جمهور مسيحي آخر.

اجتماعات بكركي، إن كان على مستوى الأقطاب او اللجنة الفرعية، كانت تقدّم بشكل دوري لبنشعي «داتا» لا لبس فيها بأن «القوات» ذاهبة نحو الانقلاب على تعهداتها في بكركي. الانطباع نفسه كان سائدا في الرابية، علماً أن عون حرص أمس على تبديد كل ما يقال من «شائعات» واصفاً علاقته بفرنجية بأنها «طبيعية».

قررت «القوات» المزايدة بذهابها بعيدا في تبنّي خيار «الارثوذكسي» حتى اللحظة الاخيرة. «لم نشأ في البداية الحكم على النوايا، لكن قبل نحو ثلاثة اشهر وبعد هجمة «المستقبل» على جعجع، وتحديدا بعد الاجتماعين الاخيرين في بكركي، صرنا بحكم المتأكدين بأن «القوات» ستتنصل من «الأرثوذكسي» عبر خياطة اتفاق مع «المستقبل»، من وراء ظهر الاحزاب المسيحية الثلاثة، بشكل يحفظ حصتها وليس حصة المسيحيين، وبتقسيمات ترضي سعد الحريري ووليد جنبلاط»، يقول أحد «المرديين».

حاولت «القوات» في مرحلة من المراحل مصادرة حتى حق التفكير، وضرب ممثلوها على صدرهم بأن هذه مهمتهم. يقول المرديون لقد تصرّفوا على اساس «ما تفكروا نحن منفكّر عنكم». عندما حصل اتفاق على تعليق «الارثوذكسي»، لم يكن الهدف هو ابرام اتفاق ثلاثي او ثنائي جديد، يشكّل انقلابا على جوهر الشراكة التي ترعاها بكركي والتي كان يفترض أن تتوّج بذهاب المسيحيين الى الهيئة العامة بمشروع قانون موحّد شرطه الاول التوافق المسيحي على ان يؤمّن له توافق وطني».

ضجّت المنابر العونية بتخوين «القوات» بعد اعلان ولادة المختلط «الثلاثي الابعاد»(جعجع والحريري وجنبلاط)، لكن يسجل لفرنجية أنه توقع سلفا هذه النتيجة من منظارين: عدم ثقته بخيارات جعجع الانتخابية، وبينها تبنيه «الارثوذكسي»، وتوقّع هذا الهجوم العوني كون «الجنرال» كان يسعى اصلا لحشر غريمه في زاوية الانقلاب على التزاماته… من أجل حشره أمام الجمهور المسيحي وهي النقطة التي أصاب بها، ولو أن المراكمة عليها مسألة قابلة للأخذ والرد.

في الايام الماضية حصل اكثر من اتصال هاتفي مباشر بين فرنجية وعون، فيما كان النائب الان عون، كما اعضاء لجنة التواصل في «قوى 8 آذار»، يضعون بنشعي في كامل صورة النقاشات في مجلس النواب. العلاقة «جيدة» مع «الجنرال» ومع كل «التيار»، المشكلة محصورة ببعض رموز «الحلقة الضيقة جدا»، يؤكد المرديون.

برغم ذلك، أوعز فرنجية الى كل المسؤولين في «تيار المردة» بعدم التحدث في الاعلام عن الجفاء المسيطر على خط بنشعي ـ الرابية، فيما تفيد المعلومات بان «البيك الزغرتاوي قد يطلّ قريبا عبر شاشة «الميادين» التي سبقه اليها عون مساء يوم الجمعة المنصرم.

وكما يفعل غيره من أقطاب السياسة، يضع سليمان فرنجية في جيبه لائحة مرشحي «تيار المرد’» الى الانتخابات في حالة «الستين»، على ان تقدّم الترشيحات في المهلة المتبقية، بالتوافق المسبق مع حلفائه.

مبدئيا ترشيحات 2009 هي نفسها: فايز غصن في الكورة. طوني فرنجية (بدلا من سليمان) وسليم كرم واسطفان الدويهي في زغرتا. رفلي دياب (ارثوذكسي) في طرابلس. كريم الراسي (ارثوذكسي) في عكار.

اما الاقضية الاخرى، ومنها البترون التي ينشط فيها مسؤول «تيار المردة» في القضاء المحامي وضاح الشاعر، فتبقى خاضعة، وفق اوساط «المردة»، لاعتبارات القدرة التجييرية.

يتعاطى «المرديون» بواقعية مع ملف التمديد النيابي. إنه ملف «حزب الله»، أو بالأحرى «ملف إستراتيجي». علينا ان نقيس حساباتنا ربطا بحسابات المقاومة وليس تعزيز شعبية هذا أو ذاك من فريقنا. «قانون الستين» هو الأنسب لنا بالمعنى الانتخابي الضيق، لكنه سيعيد على المستوى الوطني انتاج المعادلة التي تجعل «14 آذار» تتحكم بمفاصل البلد حتى لو خرقنا في البترون او الكورة أو بيروت الأولى.

لذلك، يفضل سليمان فرنجية أن تكون هذه الخطوة منسّقة جيدا مع قيادة «حزب الله» والرئيس نبيه بري… ولا يتخذ أي قرار بالارتجال..

اذا لم تحصل الانتخابات، وهذا هو المرجّح، وصار التمديد أمرا لا مفرّ منه، فإن شروط ولادة الحكومة «ستصبح أصعب بكثير مع ارتفاع سقف الشروط والحصص. وقد يندم سعد الحريري لأنه أتى بتمام سلام لأننا نكون قد قفزنا عن خيار حكومة الانتخابات»، يقول قيادي في تيار «المردة».

يبدو فرنجية واضحا جدا هنا. في حكومة وحدة وطنية (24 وزيرا) الثلث الضامن مطلب اول، «لا لصيغة الثلاث ثمانات»، ونعم لمشاركة «المردة» بحقيبة وزارية حقيقية.

في المبدأ لا تقف بنشعي ضد المداورة في الحقائب، لكنها لا يمكن الا ان تشتبه بتوقيت إثارة هذا الأمر من جانب «المستقبل» الذي فرض في السنوات الماضية عرف تكريس الوزارات للطوائف. «هم يتصرّفون وكأننا نحن من كرّس هذا العرف، بينما الحقيقة هي العكس، ونحن نعرف أن هناك أمر عمليات من الخارج يخص اسمين لا ثالث لهما: ممنوع عودة عدنان منصور لوزارة الخارجية وجبران باسيل الى وزارة الطاقة».

لو سئل فرنجية في هذه الأيام أي الأخبار أحب اليك، يجيب بلا تردّد: «تلك الآتية من القصير».

السابق
لقاء علماء صور: لاطلاق يد الجيش في الحفاظ على الامن
التالي
ربما لا تعني سوريا الكثير لأوباما