لبنان لم ينتصر بعد

هزم لبنان القانون الانتخابي الذي يمهّد لكلّ انواع الشرذمة والانقسامات الطائفية والمذهبية. انها جولة في رحلة طويلة، هي جزء لا يتجزّأ من مقاومة ثقافة الموت التي تستهدف القضاء على الوطن الصغير بالضربة القاضية. ولذلك، يمكن قول ان ما حصل في لبنان يوم الخامس عشر من مايو 2013، كان حدثا تاريخيا بكلّ معنى الكلمة، لكنه لم يكن انتصارا. ما حصل في ذلك اليوم كشف الفشل في تمرير ما يسمّى القانون الارثوذكسي، الذي لا علاقة له بالارثوذكس من قريب أو بعيد. كشف أن لبنان ما زال يقاوم. انها المقاومة الحقيقية التي تمارسها ثقافة الحياة.
هناك بكل بساطة مقاومة حقيقية في لبنان مرتبطة أولا وأخيرا بالرغبة في التخلص من كلّ انواع الوصاية، خصوصا من الوصاية الايرانية التي تلت الوصاية السورية- الايرانية، وهي مرحلة انتهت بخروج القوات السورية من لبنان نتيجة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من فبراير 2005.
ما يقاومه اللبنانيون عبر رفضهم القانون الذي يقسّمهم الى مذاهب وطوائف متباعدة ومتقاتلة، بدل قانون يساعد في التوحيد في ما بينهم، هو الوصاية الجديدة. انها وصاية يسعى «حزب الله» الايراني الى فرضها عليهم عن طريق اداة اسمها النائب المسيحي ميشال عون. أخطر ما في ميشال عون أنه يتصور نفسه موسوليني صغير. يعتقد أن النظر الى المرأة يضخّم من حجمه. لم يدرك يوما أنه مجرد شبه أمّي لا يعرف شيئا في أي موضوع سياسي. كلّ ما يمكن ان يصلح له ميشال عون هو اثارة الغرائز المذهبية من جهة وعمل كلّ شيء من اجل تفريغ لبنان من مسيحييه من جهة أخرى.
من يحتاج الى دليل على ذلك، يستطيع العودة الى عدد المسيحيين الذين هجّرهم ميشال عون من لبنان نتيجة حربي «التحرير» و«الالغاء» اللتين خاضهما مع المسلمين اللبنانيين ومع «القوات اللبنانية» التي كانت لا تزال في 1988 و1989 و1990 ميليشيا من الميليشيات اللبنانية.
هجّر ميشال عون في وقت قياسي أكبر عدد من المسيحيين من لبنان. لم يفهم حتى معنى اغلاق ابواب قصر بعبدا أمام الرئيس المنتخب رينيه معوّض، الذي اغتاله النظام السوري بسبب وجوده في مكان مكشوف خارج القصر الرئاسي. المفارقة أنّه فتح هذه الابواب أمام القوات السورية في اكتوبر 1990 عندما اراد حافظ الاسد أن يقبض سلفا ثمن مشاركته في حرب تحرير الكويت الى جانب القوات الاميركية!
لا حاجة الى تعداد مآثر ميشال عون وافضاله على اللبنانيين عموما والمسيحيين خصوصا. فشبه الامّي لا يمكن أن يستوعب أنه الأمّي الحقيقي نظرا الى أنه لا يريد أن يتعلّم وأنّه يرفض في الوقت نفسه الاعتذار عن أخطائه التي هي بمثابة جرائم أكثر من اي شيء آخر.
مؤسف ان يضطر المرء الى ذكر اسم ميشال عون وما شابه ذلك من شخصيات يفترض أن تكون في مزبلة التاريخ لولا الحاجة الايرانية والسورية الى استخدامها لضرب الوجود المسيحي في لبنان والمنطقة عن طريق ما يسمّى حلف الاقلّيات.
يظل الاهم من ذلك كلّه أن اللبنانيين تصدوا لقانون انتخابي ينتحل صفة ارثوذكسية لا هدف منه سوى تدمير صيغة العيش المشترك. من حسن الحظ أنه وجد بين المسيحيين من يتصدّى لهذا المشروع الذي يستهدف اخراج المسيحيين من المعادلة الوطنية، بحجة استعادة حقوقهم.
أين حقوق المسيحيين والمسلمين، بل أين لبنان، في وقت يوجد في البلد حزب مسلّح تأتي أوامره من طهران لا يقيم وزنا للدولة اللبنانية. هذا الحزب يعمل حاليا بشكل منهجي على تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية الواحدة تلو الأخرى. الدليل على ذلك أنّه يمنع رئيس الوزراء المكلف تمّام سلام من تشكيل حكومة لا تضمّ حزبيين أو مرشحين للانتخابات النيابية.
السؤال الحقيقي هل هذا الحزب التابع لايران يستطيع السماح باجراء انتخابات نيابية فيما هو غارق فوق اذنيه في المستنقع السوري وبعدما صار جزءا لا يتجزّأ من الحرب المذهبية الدائرة في البلد الجار المقبل على التفتيت؟
ما كشفته الايّام الاخيرة أن الاعيب ميشال عون، وهي في الواقع الاعيب «حزب الله» الذي يتلاعب به، لم تعد تمرّ على أحد. لم تعد تمرّ خصوصا على المسيحيين الآخرين الذين تصدّوا لثقافة الموت وللعبة التذاكي التي حاول بعض الغلمان، غلمان آخر زمن، ممارستها عن طريق التسلل الى معراب والى بكفيا أو بيت الكتائب المركزي في الصيفي.
في النهاية، ليس في الامكان فرض قانون انتخابي يعيد لبنان عشرات السنين، بل مئات السنين الى خلف. الخوف كلّ الخوف الآن على الانتخابات. هناك رغبة واضحة لدى «حزب الله» في الغاء الانتخابات في ضوء انشغاله في الحرب التي تٌشنّ على الشعب السوري والتي انضمّ اليها أخيرا انضماما كاملا.
من هذا المنطلق، لا يمكن اعتبار ما حصل يوم الخامس عشر مايو 2013 انتصارا. انه خطوة على طريق تحقيق انتصار كبير في مرحلة لاحقة استنادا الى أنه لا يصحّ الا الصحيح، مهما طال الزمن ومهما تكالب الاعداء على لبنان.
يتمثّل هذا الانتصار في اجراء انتخابات نيابية في أسرع وقت وفق قانون عصري يضمن حدا ادنى من التمثيل الصحيح للبنانيين في المجلس النيابي. يفترض في مثل هذه الانتخابات المساهمة في دعم مؤسسات الدولة اللبنانية وليس السعي الى القضاء عليها لمصلحة ميليشيا مذهبية تابعة لقوّة خارجية.
نعم، ما تحقّق ليس انتصارا بعد… لكنّه دليل على أن اللبنانيين ما زالوا يقاومون وأن المقاومة الحقيقية هي تلك التي تتصدى لثقافة الموت ولمثيري الغرائز الطائفية والمذهبية الذين يخدمون المشروع الاسرائيلي في المنطقة من حيث يعلمون أو لا يعلمون…والارجح أنّهم يعلمون.

السابق
معركة القصير تتسع.. والنظام وحزب الله اصدرا قرارا بالحسم
التالي
فتوش: لا إمكانية لقانون 60