أيّها اللبنانيّون: إنهم يضحكون عليكم

الإستنتاج الثابت الوحيد الذي يمكن الخروج به من كلّ الفوضى التي تعمّ الواقع السياسي في لبنان أنّ معظم القوى السياسية تنفّذ عملية "بلف" للأوساط الشعبية. فتعلن شيئاً وتضمر عكسه، وتسعى للوصول الى واقع معيّن من خلال تحميل سلبيات هذا الموقف للفريق الحاكم.

ومرّة إضافية تشجّع الأوساط الشعبية القيادات والمسؤولين على سلوكهم المعتمد من خلال التحاقهم بهم وتبنّي أقوالهم "أياً تكن تلك الأقوال".
أمّا لماذا هذه المقدمة القاسية؟ فلأنها تعكس الواقع الحقيقي لما يحصل، وحيث أنّ المشاهد المعلنة تناقض المشهد الحقيقي، الذي جرى تحضيره والذي ما يزال خلف الستارة.

فمنذ أشهر عديدة، أنجزت التحضيرات في الكواليس بين مختلف القوى السياسية وكبار المسؤولين الرسميّين لمشروع التمديد الشامل بدءاً من التمديد للمجلس النيابي وفق تقاطع المصالح السياسية لبعض القوى، والشخصية لبعض المسؤولين.

يومها رسا التفاهم على انجاز تمديد للمجلس النيابي يصل إلى سنتين، على أن يحصل ذلك إمّا دفعة واحدة أو بالتقسيط مع ترجيح الخيار الثاني لسهولة تمريره شعبياً، ولتجنّب أيّ اعتراضات دستورية وقانونية قابلة للحصول.

وجرى التواصل مع بعض العواصم الغربية لتأمين الغطاء الدولي "السرّي" لذلك، وعلى أساس أنّ التطوّرات العسكرية في سوريا أصبحت تشكّل عائقاً أمام "سلامة" العملية الانتخابية، اضافة الى أنه قد يكون من الافضل انتظار ما سيترتب على المفاوضات المزمع انطلاقها مع كلّ من موسكو وطهران حول منطقة الشرق الاوسط، لتصبح للانتخابات النيابية وظيفة سياسية في خدمة المرحلة القادمة.لذلك "فرك" الكثير من المسؤولين أياديهم لعدم تحمّل التبعات السلبية شعبياً لهكذا قرار ورميها على الخصم.

ومع انتفاء وجود جهة سياسية مبادرة لطرح التمديد، واتباع الجميع لسلوك "التشاطر" اللبناني، دخلت العملية في تعقيدات شكلية اساسية. والواضح ان ما عانى منه الرئيس نبيه بري خلال الايام السابقة وجود المبادر للتقدم بطلب التمديد، وطبعاً المقصود هنا التمديد السياسي لسنتين، ولو جاءت المرحلة الاولى منه لبضعة أشهر أو بتعبير أدق، أن يتضمن قرار التمديد دعوة للبحث في قانون جديد للانتخابات، وهو ما سيعني لاحقاً الفشل بذلك، وطلب تمديد ثان وثالث وصولاً الى تمديد السنتين.

كذلك بدا رئيس المجلس مستاء من كلام رئيس الجمهورية حول عدم توقيعه على التمديد إلا بحال التحضير للانتخابات، لاعتبار بري أنّ رئيس الجمهورية كان احد محاور الحلقة الضيقة التي بحثت في تمديد السنتين، وبالتالي وجد ان الجميع يريد أن يحمّله المسؤولية لوحده، ما دفعه للطلب من جميع الكتل النيابية إبلاغه بموقفها الواضح من هذا الموضوع، وهو ما يبدو صعباً. أمام هذا الواقع تتجه الأمور بدءاً من اليوم الاثنين إلى احتمال من اثنين:

الأول: إمّا دخول الجميع بوضوح في عملية التأجيل السياسي على طريقة الوزير نقولا فتوش، بحيث يتحمّل جميع الفرقاء علناً قرار التمديد ولو جاءت تحت عنوان المهلة الاضافية للبحث في إيجاد قانون جديد للانتخابات يحظى بالتوافق بين المكوّنات السياسية والطائفية اللبنانية.

الثاني: أو إقرار تمديد يصل في حدّه الأقصى الى اربعة اشهر بهدف الشروع في إجراء الترتيبات الانتخابية المطلوبة وفق القانون الساري حالياً أي قانون الستين، مع تحديد المواعيد وكافة الاجراءات، بحيث تصبح العملية الانتخابية بحكم المنطلقة حكماً.

وفي المداولات الجارية في الكواليس الضيقة، فإنّ تيار المستقبل والذي يتجنّب الظهور علناً بدعمه لخيار التمديد، يراهن على سعي حزب الله للضغط على الرئيس بري للبدء بإجراءات "التمديد السياسي"، ولو من جانب واحد، لأنّ مصلحته أكيدة من جرّاء ذلك.

ووفق منطق المستقبل فإنّ حزب الله لن يغامر بانتخابات لن تؤدي في افضل الأحوال إلّا الى استعادة التوازنات الحالية، وبالتالي تعزيز القيمة المرجّحة لجنبلاط في اللعبة السياسية الداخلية، هذا مع عدم استبعاد احتمال خسارة كبيرة في الانتخابات.

وحسب المنطق "المستقبلي" فإنّ حزب الله الغارق في الأحداث السورية يفضّل انتظار التسوية، التي انطلقت حول سوريا، والتي يراهن على أنها ستفضي الى نتيجة لصالحه وسيعمل على استثمارها لبنانياً.

ويقرأ المستقبل في طلب الوزير فتوش رغبة من حزب الله بذلك. وهو لذلك يفضّل البقاء في الصفوف الخلفية وترك عبء قرار التمديد على حزب الله والرئيس بري الذي يفضّل ألّا يغامر برئاسة مجلس النواب.

وفي الوقت نفسه، يعتقد المستقبل أنّ حزب الله مخطىء في قراءته السياسية للأوضاع، وأنّ التسوية، التي ينتظرها تيار المستقبل أيضا، ستكون في غير صالح حزب الله، لا بل ستكون على حسابه، لذلك يفضّل المستقبل تأجيل الانتخابات ريثما تنضج التسوية الاقليمية ويعود معها سعد الحريري الى لبنان وفي يده "انتصار" اقليمي، يعمل على استثماره في الاستحقاق النيابي بعد سنتين على أساس انتصار كاسح يترجمه في السلطة.

إلّا أنّ المطلعين على حقيقة ما يدور بدأوا يقرأون في الاحتمال الثاني، أي تمديد تقني سيولد خلال الايام القليلة المقبلة، وانتخابات ستجري في شهر أيلول المقبل على أساس قانون الستين، وهو الخيار الذي يدفع التيار الوطني الحر لقطع الطريق أمام سلسلة التمديد، التي كان قد جرى التخطيط لها لتبدأ في مجلس النواب، وتنتهي على مستوى رئاسة الجمهورية.

وفي حال التمديد التقني فإن الرئيس المكلف سيعمد فوراً مع رئيس الجمهورية لطرح حكومة أمر واقع لن يعترض عليها أحد لأن حياتها ستكون قصيرة اما في حال التمديد السياسي فإن أزمة الحكومة ستؤدي الى ازمة كبيرة.

السابق
وضع حجر الاساس للقصر البلدي في كفرحتى
التالي
مقاتلو جبهة النصرة.. يديرون ظهورهم لقائدهم