مزايدات انتخابية رخيصة تهدد المصير الوطني

الكل في مأزق، ولا أحد يملك وصفة سحرية للخروج منه.
كل محاولات التحايل على المأزق السياسي، بابتداع مخارج وصيغ انتخابية، بعناوين ومسميات مختلفة، بلغت الحائط المسدود.. وعندما أزفت ساعة الحقيقة، وجد "المايسترو" نبيه بري نفسه أسير معادلات متضاربة تؤدي الى النتيجة نفسها: إما السير إلى التمديد لأربع سنوات وفق "الستين".. وإما التمديد لفترة معينة بأكبر قدر ممكن من التوافق الوطني، وإما الفراغ الشامل في نهاية حزيران المقبل.

لا جلسة نيابية عامة اليوم ولن تكون هناك جلسة نيابية عامة الأحد ولا في كل الأيام المقبلة، لإقرار قانون انتخابي توافقي. ثمة استحالة في التوصل الى نتيجة كهذه. لا أحد يقر بذلك علنا، لكن من يراقب المسرحية المملة المستمر عرضها في مجلس النواب، وبرغم حبكتها المملة وأداء الممثلين الأكثر مللا، يستنتج توافقا غير معلن على استحالة التفاهم في ظل تناقض المصالح والحسابات والمشاريع.
الى أين يقود هذا الإقرار باستحالة التوصل الى قانون انتخابي جديد؟

الى واحد من الخيارات الآتية:
أن ينزل الإلهام على الجميع، فيقرروا إنزال حمولة المزايدات التي تثقل حقائبهم وتعبيراتهم وحساباتهم، وبالتالي يتواضعون قليلا ويسيرون بتمديد ما، يشكل قاسماً مشتركاً صوناً للاستقرار الذي لا يريد اللبنانيون شيئاً سواه، علهم يفوزون بموسم اصطياف وبما يخفف ضائقتهم الاجتماعية ويعينهم على مواجهة أيامهم الصعبة والمرشحة لأن تزداد صعوبة في ظل الأزمة السورية وتداعياتها الإنسانية والاجتماعية لبنانياً.

الخيار الثاني، هو الذهاب اعتباراً من يوم الاثنين المقبل للترشح وفق "قانون الستين"، وقد أعطت "القوات"، التي كانت سباقة في التحلل من التزاماتها السابقة مع "الكتائب" و"التيار الوطني الحر"، نموذجاً في هذا الاتجاه، عبر إشارة ممثليها في اللجنة النيابية، الى أن الترشح وفق "قانون الستين" لا يعني أبدا إجراء الانتخابات على أساس القانون المذكور!

واللافت للانتباه في الخيار الثاني، أن ميشال عون قد يستدرج نفسه اليه ومن ثمة للترشح على أساس "الستين"، بعدما أقدم أمس، من خلال المعادلة التي طرحها عبر شاشة "الميادين"، على اشتراط تأليف الحكومة قبل السير بالتمديد اذا كان لا بد منه.
بهذه المعادلة، ينضم عون، الى سعد الحريري ووليد جنبلاط، اللذين ما برحا يرددان السؤال نفسه: اذا توافقنا على التمديد، فماذا بالنسبة للحكومة؟

عون يريد أن يضمن حصته الرقمية في الحكومة.. والأهم حصته بالحقائب.. وأولاها حقيبة وزارة الطاقة، وهو مستعد لأن يخوض حرباً عالمية مع الآخرين كلهم في سبيل أن تبقى بيده.. ولا ورقة يفاوض بها اليوم إلا ورقة التمديد للمجلس النيابي.

في المقابل، يريد الحريري وجنبلاط الإيحاء لبري "بأننا بتنازلنا عن "الستين" وسيرنا معكم بالتمديد نريد حسماً للموضوع الحكومي وفق الصيغة التي طرحها الرئيس المكلف تمام سلام الذي أكثر من دعواته وصلواته غب التفاهم الانتخابي".

وبين هذا وذاك، وجد بري نفسه محرجاً من جهة ويكاد يكفر بالنيابة والحكومة والسياسة من جهة ثانية. صار هو وحليفه "حزب الله" وحدهما "حزب التمديد"، أما البقية، فهم أهل وأحزاب انتخابات وديموقراطية وعدالة. "تريدون أن نتشارك سويا في لعبة الرقص على حافة الهاوية. أنا جاهز لها. لست راغبا بالتمديد ولو ليوم واحد للمجلس. تريدون انتخابات، أنا لها…".

بذلك، أصبحت المسرحية مملة جدا، وأبطالها لا يستحقون الوقوف مجددا على الخشبة، ما دام القاسم المشترك بينهم ذلك الانسجام المنقطع النظير بإتقان لعبة المزايدة الى حد دفع البلد نحو الفراغ والمجهول.

ولعل السيناريو الأكثر ترجيحا لـ"الستين"، حتى لو ذهب الشعب اللبناني كله لترشيح نفسه، أنه لن تكون هناك انتخابات على أساسه والأسباب كثيرة، منها تأليف الهيئة المستقلة للانتخابات وغيرها من المعطيات اللوجستية والمالية والأهم.. الأمنية.
واذا تعذر التمديد قبل الحادي والثلاثين من أيار واستمرت حفلة المزايدة، تكون النتيجة العملية، الذهاب الى العشرين من حزيران ومن بعده الى الفراغ المفتوح على كل الاحتمالات، فهل هناك من يرغب في الوصول الى تلك النتيجة؟

ولعل السؤال الأخطر: هل الفراغ القاتل هو "الربيع اللبناني" الموعود؟ وهل يدرك السياسيون اللبنانيون معنى أن يدفعوا بلدهم نحو الفراغ، والأهم هل يملكون ما يعينهم على الخروج منه وحدهم، ومن دون مساعدة الخارج لهم، وأي ثمن سيكون المطلوب دفعه حينذاك، ربطاً بالمعادلات الجديدة التي ترتسم في الإقليم، هل يكون بتعديل الصيغة السياسية، أم بعقد مؤتمر تأسيسي؟
  

السابق
الحاج حسن: نحتاج الى قانون انتخاب عصري يؤسس لبلد قوي وقادر
التالي
أوغاسابيان: لا يمكن عزل قانون الإنتخابات عما يجري بسوريا