غارة جمرايا وتوازن الرعب الجديد

على مدى عامين من عمر الازمة السورية، لم يخف حزب الله للحظة دعمه الواضح والصريح لنظام الرئيس بشار الاسد الذي يرى الحزب ان بلده يتعرض لمؤامرة دولية لاسقاط سورية وتدميرها كدولة وشعب ومؤسسات. فمنذ بدء الاحداث لم يغص الحزب في المستنقع السوري وسلكت اغلب مواقفه طريق الدعوة الى الحوار بين السلطة والمعارضة ورفض التدخل الغربي والعربي في دعم المعارضة المسلحة بالمال والسلاح اضافة الى تحذيره المتكرر من النوايا الاسرائيلية في كل ما يحصل من تدمير ممنهج لمقدرات سورية العسكرية والاقتصادية والاجتماعية.

عوامل عديدة طرأت بعد ذلك ودفعت الحزب الى ان يتخطى مرحلة التضامن الاعلامي ليدخل في صلب المعركة بعدما بدا متأكدا الى حد اليقين ان رأس المقاومة سيكون الهدف التالي في حال سقوط الاسد بل اكثر من ذلك فإن خريطة طريق المعارضة السورية المسلحة بجناحيها الجيش السوري الحر وجبهة النصرة المتطرفة وضعا الرئيس بشار الاسد والسيد حسن نصرالله في الخانة ذاتها والمصير ذاته، وبالتالي فإن اسقاط احد منهما من شأنه ان يؤدي الى اسقاط الآخر مباشرة. وانطلاقا من هذا بدأت التحرشات والاعتداءات المسلحة على جبهة القصير والقرى الشيعية المحاذية للحدود في محاولة لجر الحزب الى حرب استنزاف محدودة التأثير ولكنها قد تبدو متعبة على المدى الطويل. وفي السياق ذاته كانت تهديدات المجموعات السلفية والتكفيرية في نسف مرقد السيدة زينب في دمشق تعطي الدافع والمبرر الشرعي للحزب بأن يعلن وعلى الملأ وجود مقاتلين له في ريف القصير وفي قلب دمشق دفاعا عن لبنانيين يتعرضون لاعتداءات مذهبية وعن مقام مهدد بالسقوط في ايدي تنظيم القاعدة ونصرتها.
في سلسلة العوامل التي دفعت قيادة الحزب الى التدخل المباشر لم تكن الغارات الاسرائيلية على مركزي جمرايا للاسلحة الكاسرة للتوازن سوى تأكيد للحزب على انه بات في قلب المعركة ومن هذا المنطلق لم يكن مفاجئاً إعلان الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، جهوزية المقاومة وأهليتها لاستقبال أسلحة نوعية كاسرة للتوازن العسكري مع إسرائيل، أبدى النظام السوري استعداده تزويدها بها.
استكمل السيّد نصرالله قرار كسر التوازنات العسكرية مع إسرائيل الذي كانت القيادة السورية قد افتتحته إثر العدوان الإسرائيلي الأخير، معلنة عزمها على مدّ المقاومة اللبنانية بأسلحة استراتيجية، وفتح المجال أمام فصائل المقاومة للعمل انطلاقاً من الجولان السوري المحتل لتحريره من القبضة الإسرائيلية. وفيما كان السيّد نصرالله يعلن استعداد المقاومة لاستقبال الأسلحة المناسبة لتنفيذ ذلك القرار، برز تساؤل حول كميّة تلك الأسلحة التي وصلت بالفعل الى مخازن المقاومة في لبنان، ونوعيتها، وعن موجبات استخدامها. وهو ما شرع الإعلام الإسرائيلي بمحاولة الإجابة عنه منذ لحظة انتهاء خطاب السيّد نصرالله، بل حتى قبل ذلك بأشهر عديدة.

يقول مطّلعون على أجواء لقاء نصرالله ـ بوغدانوف في بيروت، إن الرجُلَين خرجا برؤية موحّدة حيال الأزمة السورية وسبل حلّها. شدّد الدبلوماسي الروسي المقرّب من بوتين، على أن بلاده لن تسمح بتكرار التجربة الليبية في سورية، وهي لم تنسَ بعد ضرب الخداع الذي تعرّضت له من قبل المعسكر الأميركي الذي قاد الحرب في ليبيا. كما لفت الى وجود قرار روسي حاسم ضد التدخّل العسكري في سورية، وضد إزاحة الرئيس بشّار الأسد عن سدّة الحكم بمثل تلك الأساليب. كشف عن عرض تلقته القيادة الروسية من الإدارة الأميركية يتلخّص باختيار روسيا، بالاتفاق مع الأميركيين، شخصية سورية تتولى قيادة البلاد خلفاً للرئيس الأسد، لكن القيادة الروسية رفضت العرض، انطلاقاً من مبدأ حق السوريين باختيار رئيسهم بأنفسهم.

أبلغ بوغدانوف السيّد نصرالله بأن الكلمة الأساسية في سورية اليوم هي للميدان وليست للسياسة. تكلّم عن تأثير الميدان على اللقاء المنتظر بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي باراك أوباما وسمع من مضيفه أن حزب الله لن يترك سورية تسقط بيد التكفيريين والجماعات الإرهابية. أبدى استحساناً لما سمع، وأكّد على ضرورة تنسيق المواقف والخطوات بين الطرفين، بما يؤمّن الانتصار في هذه المعركة المشتركة وإن طال أمدها.  

السابق
روسيا تعزز وجودها في البحر المتوسط بحاملة مروحيات
التالي
خطة لسيطرة الأصوليين على المخيمات؟