الفيل ذو القلب الثقيل

السرير لم يعد يحتمل ثقلي. سيقع تحت جسدي إن لم أتوقف. أنا فيل، ليس في أحشائه إلا قلب ثقيل يحمل كل ذكرياته. الفيل تشتاق إليك، وتشتاق إلى أبيها الذي لا تعرفه، وتشتاق إلى عناق أمها حين كانت صغيرة، العناق السحري الذي يزيل كل الخوف.
كنت أعود من المدرسة أحياناً وأنا أشهق بالبكاء. ما أن أصل إلى المنزل، وأعانق أمي، أغمض عينيّ، فتختفي فجأة كلّ المشاكل. لقد كبرت الآن، واختفى هذا الشعور. العناق لم يعد يحلّ مشاكلي.
غريب كيف يربط عقلي ذكراك، بذكرى أبي وأمي والأمان، ويُخرج جميع المشاعر في الوقت عينه، ويغرقني بالفراغ.
أنت والفيل مخلوقان معقدان جداً. الفيل بحاجة إلى القليل من الحب والرعاية، لمَ لم تفهم هذا؟ والفيل كل ما فتحت فمها لتخبرك أنها بحاجة إليك، تهرب الذكريات المحبوسة في قلبها الثقيل وتخبطك في وجهك. لأنها لا تعرف كيف تتكلم. هي جيدة فقط في العناق، والرقص أحياناً. وأنت طفل لئيم، تبكي من خلف الحائط الذي تختبئ خلفه ولا تعترف بما تحس.
أستلقي على سريري الصغير مع قلبي الثقيل جداً، وأبكي كثيراً، لأنني أكره أن أشتاق. وأنا أشتاق إليك.
أريد المضي قدماً، لأن العالم كبير، وهناك الكثير من الكائنات الجميلة التي يمكن أن أحب غيرك. وأريد أن لا أحتاج لعناق أمي السحري، وأن لا أحتاج إليك لأشعر بالجمال. أريد أن أفرد اُذنيّ الكبيرتين في السماء وأطير عالياً.
أتذكر تلك الليلة التي بكينا فيها معاً من كثرة الاشتياق، كنّا على وشك الموت من قوّة الحب. ووعدتني حينها بأنك ستعوض لي عدد قطرات الدموع بالقبل، ولم تفِ بوعدك بعد. أعلم أن الفيل تبكي كثيراً، ولكنها كانت لترضى بأن تجمع كل القبل بقبلة واحدة كبيرة، كتلك التي لا تنتهي إلا قبل الموت اختناقاً بثوانٍ. القبلة التي لا وقت فيها للتنفس، فتكون الرئتان مشغولتين بنقل السحر للقلب.
أتذكر كيف كنت تتأخر دائماً عن مواعيد لقائنا لأنك تنشغل في صنع طائرة، أو فكّ محرّك ما. كنت أنفجر غضباً كلما تتركني أنتظر.
هل تعلم أن كل مرة كنت أقول لك أرحل عني، أكون بأمس الحاجة إليك؟ نحن هكذا الفيلة، تبعد عنها الكائنات التي تحب. تخشى أن تبتعلك داخل أحشائها من كثرة الحب. وحين ترحل تثقل قلبها بك.
تحطم سريري تحت ثقل قلبي بك. تحطم وأنا لا أملك المال الكافي لشراء سرير أكبر. وإن سألت أمي كيف، سأقول لها الحقيقة، لقد كبرت لأصبح فيلا لديها قلب ثقيل يحطم الأسرّة، لا تستطيع أن تطير بأذنيها الكبيرتين مثل دامبو، لأن الذكريات ثقيلة جداً.

السابق
أي جنون هذا
التالي
ناشطو المجتمع المدني يتحدثون عن معاناتهم