واقع فلسطيني مزر

كنا نتمنى ان تكون الذكرى الخامسة والستون لنكبة فلسطين التي تصادف اليوم مختلفة عن سابقاتها، لسبب بسيط هو تزامنها مع ثورات الربيع العربي، وسقوط او تغيير، انظمة ديكتاتورية واستبدالها في معظم البلدان بانظمة اسلامية.
ربما من المبكر، او بالاحرى من المجحف، اصدار احكام متسرعة على هذه الانظمة بسبب سلم اولوياتها الحافل بالقضايا والازمات الداخلية، مثل الاقتصاد والامن والبطالة والمؤامرات الخارجية، ولكن هناك قضايا، وعلى رأسها قضية القدس المحتلة، لا يمكن نسيانها او القفز فوقها خاصة عندما تتعاظم عمليات التهويد والاستيطان والاقتحامات.
يوم غد الخميس يستعد مئات المستوطنين لاقتحام المسجد الاقصى ربما للمرة العاشرة هذا العام، والهدف هو تعويد الرأي العام العربي على هذه الاقتحامات تمهيدا لتقسيم المسجد مثلما حصل بالحرم الابراهيمي في مدينة الخليل.
لا نستطيع ان نلوم الدول العربية وعدم اكتراثها بقضية فلسطين، وتنازل بعضها عن العديد من الثوابت الفلسطينية في الوقت الذي تسود فيه الانقسامات الصف الفلسطيني، ويتحول دور السلطة الى استجداء رواتب موظفيها، ولهاثها خلف سراب سلام مغشوش او مسموم على وجه الخصوص.
من المؤسف ان يكشف السيد ياسر عبدربه امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عن اجرائه مفاوضات سرية مع بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي ومستشاره القانوني اسحق مولوخو، وذلك في حديث لصحيفة اسرائيلية وهي المفاوضات التي قال انها باءت بالفشل مثل سابقاتها.
ومن المؤسف اكثر ان يعلن الرئيس محمود عباس عن تنازله عن حق العودة الى مدينته صفد من اجل طمأنة الاسرائيليين وحكومتهم الى نواياه في حصر القضية الفلسطينية في جيب محدود في الضفة الغربية فقط.
الوضع الفلسطيني الراهن مزر بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فالاهتمام العربي، الرسمي منه والشعبي، بالقضية الفلسطينية يتراجع، والانقسام الفلسطيني بات يتوسع يوما بعد يوم ويتحول الى امر واقع، واحاديث المصالحة ولقاءاتها باتت نكتة سمجة.
المقاومة الفلسطينية بالصورة التي نعرفها باتت من الماضي، وصيغة غير حضارية في زمن التفاوض، والمقاومة السلمية المدنية باتت في حدودها الدنيا، فحكومة حماس في قطاع غزة مشغولة في تكريس حكمها، والسلطة في رام الله تنتظر بلهفة استئناف المفاوضات، وتعهد الرئيس عباس علنا، واكثر من مرة، انه لن يسمح باشتعال فتيل انتفاضة ثالثة.
نقطة الضوء في نهاية هذا النفق المظلم تتمثل في مقاومة الامعاء الجائعة التي اطلقها الاسرى في سجون الاحتلال، وقدم بعضهم حياته قربانا لقضية شعبه العادلة من امثال عرفات جرادات، وميسرة ابو حمدية، واحتلوا مكانة بارزة في قوائم الشهداء المشرفة.
الشعب الفلسطيني لن يفرط بحقوقه العادلة في استعادة اراضيه المغتصبة في كل فلسطين، وفترة الجمود الحالية قطعا لن تدوم، وهي مجرد ازمة عادلة، الم يمر هذا الشعب بفترة مماثلة استمرت عشرين عاما تقريبا (1947 ـ 1967) قبل ان يشمر عن ساعديه وينتفض انتفاضات كرامة وعزة نفس ويطلق مقاومة اثارت اعجاب العالم باسره؟
الغرور الاسرائيلي لن يعمر طويلا، والاحتلال الاسرائيلي للارض الفلسطينية سينتهي مثلما انتهت كل الاحتلالات الاخرى على مر العصور وما اكثرها.
الاسرائيليون اضاعوا فرص السلام بسبب اعتقادهم بان غطرسة القوة وانكار حقوق الآخر يمكن ان تحقق لهم الامن والاستقرار والاحتفاظ بما اغتصبوه من ارض، ولا ابالغ اذا قلت انهم سيدفعون ثمنـا باهظـا بسبب هـذه المواقف والسياسات العنصرية قصيرة النظر.

السابق
ألف 7 أيار
التالي
نصرٌ سوريٌ تاريخي