الأرثوذكسي.. ولكن 1960!


وصل مشروع القانون الأرثوذكسي الى ساحة النجمة بدفع خارجيّ. هناك من يريد له أن يصل. كان الحراك بشأنه ملتبساً دائماً، ولم يتّسم مرّة بالوضوح والشفافيّة منذ ولادته حتى اللحظة الفاصلة.

لقد عجزت كلّ المحاولات الهادفة للتوصّل الى قانون إنتخابي "صُنع في لبنان"، وغابت كلّ المحاولات الخارجيّة الرامية الى إيجاد بديل عنه، في حين أنّ هناك من كان يحرّكه دائماً، ويوجّهه من خلف الستارة. الهدف المعلن تحسين نسبة التمثيل المسيحي، فيما الهدف المضمر "التلاعب" بالميثاق، والصيغة، والنظام الديموقراطي القائم على فلسفة التوافق.

الآن، هناك طرحان على الطاولة: الأرثوذكسي وما يُراد منه للبنان، وقانون 1960 وما يحفظه من إرث لصيغة 1943. إنقسم الرأي العام حيال الطرحَين، البعض طرح ميثاقية الجلسة النيابيّة، على قاعدة أنّ الرئيس نبيه برّي الميثاقي لن يقدم على عقد جلسة يغيب عنها نواب يمثلون طوائف أساسيّة في الشراكة الوطنيّة، وحتى إذا ما أقدم على افتتاح الجلسة يكون قد ضَمَن النتائج سلفاً كأن يسقط المشروع ديموقراطيّاً لعدم توافر العدد المطلوب من الأصوات.

البعض الآخر يراهن على الخارج، "والذي أوصل المشروع الأرثوذكسي الى الهيئة العامة للمجلس قادر على اكتساح ما تبقى من عقد تعترض إقراره؟!"، وعلى لبنان أن يشرب الكأس المرّة، وليس هو أفضل حالاً من الدول العربية التي تشهد تحوّلات جذرية.

الذهاب نحو المأزق ليس خياراً لبنانيّاً، بل خارجيّاً يُسوّقه بعض فرقاء الداخل، لكن هناك في المقابل من يمسك أيضاً ببعض الخطوط الحمر المتصلة بالإستقرار، والسلم الأهلي، إنهما – في نظر بعض الدول الكبرى المؤثرة – خطّان لا يمكن التضحية بهما، لذلك لا بدّ من مخرج، ومن "مخرج" يعرف كيف يدير اللعبة، كأن يسقط الأرثوذكسي ميثاقيّاً، او تصويتاً، لتعود الحياة تدبّ في شرايين قانون الستين، ويصبح هو الوحيد الباقي بحيث يجمّل في بعض بنوده، ويصار الى التمديد تقنيّاً للمجلس ثلاثة أشهر، وتشكيل حكومة إنتخابات تشرف على الإستحقاق الدستوري.

يتحدّث الرئيس برّي عن إتفاق دوحة لبناني في مجلس النواب. قانون 1960 من نتاج "دوحة رقم 1"، وسيكون محور "دوحة رقم 2"، وعلى قاعدة ترميم العلاقات بين مختلف الكتل السياسيّة، وإدخال بعض التعديلات، والتمديد التقني للمجلس النيابي، واستئناف عملية تقديم طلبات الترشح إعتباراً من صباح غد الخميس على أساس قانون 1960.

إنّ "دوحة" على هذا النحو تسقط كل المعوقات والعراقيل التي تعترض قيام الحكومة. إنها حكومة إنتخابات، جدول أعمالها محدّد، وعمرها محدّد، ومهمّاتها محدّدة، ولم يعد من مبرّر لأن تكون سياسيّة، مع ثلث معطّل، الى ما هنالك من شروط ومطالب؟!

قد يُبصر الأرثوذكسي النور، أو قد لا يبصره، والمسألة منذ البداية تتعدّى نطاق "8 و14 آذار"، وتتجاوز "اللعبة الديموقراطيّة" لتطرح الميثاق على طاولة النقاش. المسألة ميثاقيّة بإمتياز، ويتعرّض الميثاق منذ مدّة للتشويه. حاول إتفاق الطائف إعادة ترميمه فنجح نسبيّاً، وفشل، أو أفشل بمحطات. أقرّ برؤوس ثلاثة.

كائن برؤوس ثلاثة هو كائن مسخ غير قابل للحياة. أتى الطائف بتسوية ترضي الفعاليات ولا ترضي لبنان، وحاول أن يبسط الأمور وكأن المشكلة تقتصر على "تناهش كعكة النظام"، وقد تجاهل الأوزار الكبرى المهدّدة للكيان والميثاق، من المخيّمات الخارجة عن سلطة الدولة والقانون، الى السلاح اللاشرعي وفوضاه المكلفة، إلى الأحجام والأوزان التي تتصرّف وكأنها أكبر من الدولة وناسها ومسؤوليها… إهتز الميثاق في حرب العام 2000، أصيب بانتكاسة كبيرة في العام 2006، وسقطت الهالة عنه بعد 7 أيار 2008، وتعرّض لعملية تشويه عندما انسحب الوزراء الشيعة الخمسة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، واستمرّت.

تعطيل طاولة الحوار الوطني إنما هو تعطيل للميثاق. الخروج على "إعلان بعبدا" كذلك، التدخل في الشأن السوري الداخلي طعن للميثاق ولسياسة النأي بالنفس.

إنّه زمن التحوّلات الكبرى في لبنان والمنطقة، هناك رهان على "جنيف رقم 2" لعلّه يصار الى التفاهم الدولي – الإقليمي على إيجاد آليات تنفيذية للبنود الواردة في بيان "جنيف 1" بهدف إطلاق مسار سياسي في سوريا، ومرحلة إنتقاليّة.

في لبنان نتحدّث عن "الأرثوذكسي" وقانون الستين، والأبواب مشرّعة على كل الإحتمالات، بعضها يدفع للذهاب بالبلد الى الفوضى العارمة إنسجاماً مع ما هو سائد في الجوار، وأيضاً في المنطقة، بعضها الآخر يدفع الى إحياء إتفاق الدوحة، هذا ما أعلن عنه الرئيس برّي؟!

السابق
رسالة مركبة من نتنياهو لدمشق وبيروت
التالي
العلاقات السّرّية في الحبّ