علي حسين مزرعاني هدفي رؤية تراثنا محفوظاً

ذاكرة حية اختزنت من التراث الجنوبي الكثير، ثم ما لبثت أن أفرزت ذلك المخزون بألوان تحاكي الواقع، الذي عاشته منطقة النبطية، خلال تلك الفترة الزمنية لتثير في نفوس الذين عاصروها الحنين، ولتتيح للأجيال التي أعقبتها، الاطلاع على تراثها الذي طوت الحداثة الكثير من ملامحه، ذلك هو عطاء المؤهل أول علي حسين مزرعاني في مجموعة، ضمت ثلاثة كتب.
ولعل هذه المجموعة تكتسب أهمية من خلال الجمع بين التراث العاملي الذي بدأت معالمه تندثر، وبين توثيق فترة تاريخية مهمة من تاريخ مزرعاني، أبرز بها ملامح البيئة من كل جوانبها، وعمل على نقل معالمها التاريخية، من خلال حفظه لعمارة منازلها ومساجدها التي أصبحت أو تكاد تصبح ذكرى، وأطلالاً طوتها الأيام..!

نافذة تراثية
يمثل الكتاب نافذة مهمة لمزرعاني، يطل عبرها على تجربة تراثية ممتدة لم تنقطع، عالج بها بيئته وقدّمها بأحلى الصور، من متعة بصرية وجمالية لونية، يجد بها جيل اليوم ملاذاً لهم في التعرف على تراثهم.
"وأخيراً بعد طول انتظار حان الوقت لكي أرى الماضي مجدداً ومحفوظاً"، بهذه العبارة افتتح مزرعاني حوارنا معه، لكن هذا الانتظار الطويل لا يقف به وحده، بل يشاركه جمهور عريض من عشاق التراث على مدى سنوات من المشاركة والعطاء والإخلاص.
فعن خطوته الأولى في هذه التجربة يقول:
في سن الرابعة عشرة من عمري في العام 1976، كانت تستهويني الصور الحربية كصور الدمار والمعارك بعد الحرب الأهلية، وكنت أقوم بتجميعها من الصحف والمطبوعات، إلى أن تعرّضت النبطية للقصف الإسرائيلي، وبعد الاجتياح مباشرة عام 1978 حصلت على كاميرا، ما ساعدني على التقاط الصور بكثافة أكثر وفي عدة أوقات وعدة أماكن فبدأت بتصوير الدمار والآليات العسكرية كالمدفعية وغيرها، بعد أن كنت قبل سنة من ذلك التاريخ أقوم بتدوين أحداث ويوميات القصف الإسرائيلي على المنطقة، وهذا ما أقوم به حتى اليوم مع تطوير الفكرة بأرشفة الصحف والمجلات والصور. حتى بدأت بعد ذلك بجمع كل ما مرت به النبطية من أحداث قديمة، فضلاً عن جمع البيانات والوثائق من الأهل والأصحاب دون أي هدف لذلك. وفي العام 1990 أي بعد 14 عاماً من العمل كهاوٍ، ارتأيت أن أبرز هذه المعلومات للعلن بعد أن تأكدت عبر جولاتي أنه لم يكتب عن النبطية أحد رغم وجود عدد كبير من المثقفين وذوي الشهادات العليا فيها، باستثناء الشيخين سليمان ضاهر وأحمد رضا، ومحمد جابر آل صفا الذين كتبوا عن جبل عامل بشكل عام، وعن النبطية فيما يختص بأحداث مطلع القرن العشرين فقط، ما جعلني أفكر جدياً بتأريخ هذه المعلومات والصور وجمعها في كتاب، فعملت طيلة تسع سنوات أخر على التجميع بهدف التأريخ فكان في العام 1999 الكتاب الأول "النبطية في الذاكرة".

أرشفة موسَّعة
بعد ذلك بدأت تراوده فكرة أرشفة منطقة النبطية بكاملها، لكنه يؤكد أنّ صعوبة قيامه بهذه المهمة وحده جعلته يجمع أهم المعلومات عن أهم المناطق وأبرز الأشخاص كالشعراء والكتّاب والأدباء والفنانين، وتطور التعليم، والأندية والجمعيات التي نشرت خلال مئة عام في 42 قرية اختصر هوية كل منها بصفحتين أو ثلاث ضمها كتابه الثاني "النبطية في القرن العشرين".
ويضيف:" كنت خلال عملي في تجميع المعلومات ألتقط بعض الصور لبعض المنازل التراثية الجميلة التي كانت تلفت انتباهي للاحتفاظ بها كصورة جميلة ليس أكثر، وفي مرات عدة مررت صدفةً بمنازل تراثية كادت تندثر معالمها القروية سواء بالهدم أو بالترميم، ما دفعني للّجوء مجدداً في العام 2000، لفكرة جمع صور المنازل والمساجد والدكاكين ذات الطابع التراثي لإحيائها في ذاكرة الجيل الجديد الذي قد لا يتسنى له التمتع بالتعرف ميدانياً عليها، فليتعرف عليها تراثياً وتاريخياً، وقمت بتجميع ما تم تصويره مسبقاً عن طريق الصدفة ثم قصد العديد من الأماكن لتصويرها قبل اندثارها فكانت مجموعة مصورة ومطبوعة بالألوان للمحافظة على رونق وجمالية تلك الأماكن، تحت عنوان: "النبطية ذاكرة المكان والعمران"، في أواخر العام 2012 الماضي.

نَقْد لغوي
وأشير إلى أنه تم توجيه نقد لي من الأستاذ رهيف فيّاض حول إسم الكتاب بعد طباعته، أن المكان ليس له ذاكرة والعمران ليس له ذاكرة، ولكني رغم أني قد أكون ارتكبت لغوياً، خطأً غير مقصود، أبرّر ذلك بأني سمحت لنفسي أن أستعير الذاكرة من الإنسان ومنحها لهما انظلاقاً من التعبير المجازي الشائع، حول الأطلال التي تحن لسكانها والأماكن التي تفتقد زوارها. خاصة وأنّ هناك أشخاصاً لا نملك صوراً لهم تمكنّا أن نذكّر بهم عبر ما تركوه من تراث في الأماكن الخاصة التي عاشوا فيها".
وما زال البحث مستمراً والتنقيب لم يعرف الهدوء لدى مزرعاني فهو بكامل جهوزيته لإصدار كتابه الرابع كتاب الذي سيحمل عنوان "النبطية بين السياسة والأمن 1881 – 2012" وهو كتاب موسع يحكي تطوّر العمل السياسي والحزبي في النبطية، وبعض مناطق جنوب لبنان من منطلق الأحداث السياسية الأساسية البارزة، والتركيز فيه على تطور الحياة السياسية في النبطية منذ العام 1881 حين أصبحت النبطية قضاء له كيان إداري مستقل.
ويختم في إشارته لكتاب: "فهرست لبنان الجنوبي وجبل عامل 1906 – 2012" يجمع كل الكتب والمراجع التي تناولت سير جبل عامل بمختلف جوانبها، مع صورة لكل كتاب ونبذة عنه سواء أكان الكاتب جنوبياً، لبنانياً، أم غير لبناني، تحديداً بعد ما خسرناه خلال الحروب من كتب قديمة باتت غير موجودة، وقد توصلت حتى الآن إلى جمع 1200 كتاب".

– المؤهل أول علي حسين مزرعاني.
– مواليد النبطية العام 1964.
– انتسب إلى مدرسة الرتباء في الجيش اللبناني العام 1983.
– تدرّج في الترقية حتى رتبة مؤهل أول في العام 1997.
– حائز على ثلاثين تهنئة وتنويهاً من قيادة الجيش.
– حائز على ستة أوسمة وميدالية عسكرية.
– إجازة في العلوم السياسية.
– دبلوم دراسات عليا في العلاقات الدولية.
– مصوّر هاوٍ منذ العام 1978.
– مصور في منطقة الجنوب لمديرية التوجيه منذ العام 1991.
– يعمل على توثيق الأحداث الأمنية والسياسية في جنوب لبنان خلال القرن العشرين من أرشيف الصحف والمطبوعات.
* صدر له:
– النبطية في الذاكرة 1860-1999.
– قضاء النبطية في القرن العشرين.
– النبطية ذاكرة المكان والعمران.
 

 
السابق
عدوان قواتي.. ولكن!
التالي
الثعلب الإيراني.. واللدغة الثالثة!