شباب “حزب الله”

المشهد مختلف هذه المرة. شباب من "حزب الله" يتطوعون للقتال في سوريا، وبينهم طلاب جامعات، أو متخرجون، وشباب من القرى، ربما بعضهم يبحث عن فرصة عمل. ومن بين المقاتلين أيضاً شبان متفرغون في المقاومة، نقلوا بطريقة أو بأخرى، المقاومة من قوة على الحدود الجنوبية مع الاحتلال الإسرائيلي، مهمتها التحرير، الى الحدود الشمالية والى طرف منحاز في الصراع السوري. وهذا التدخل يجري تحت عناوين مختلفة، لكنه بالتأكيد ضد جزء من الشعب السوري يرفع مطالب محقة أو مشروعة في مواجهة نظام لا يتعامل مع المطالب بطريقة متنورة وديموقراطية، وان كان التدخل يبرره الحزب لمواجهة التيار التكفيري.
يترك الشباب الجامعات، وربما نتذكر بعض الشهداء الطلاب الذين سقطوا على مدار التسعينات من القرن الماضي، على طريق تحرير الجنوب، ثم اختلفت المعطيات ليسقط آخرون في مواجهة عدوان 2006، بمعزل عن الالتباس الذي رافق هذه الحرب، لكن ان يسقط شباب في غير المكان الذي جادل "حزب الله" طويلاً في موضوع سلاحه، مدافعاً عن استمرار استقلاله عن معطيات القرار الوطني العام، فذلك يطرح علامات استفهام كبيرة عن اقحام البلد في أخطار تتمثل في انعكاسات ارتدادية على الداخل اللبناني، الى تغذية الخلافات السياسية القائمة ومفاقمتها بعوامل توتر اضافية، خصوصاً وأن أطرافاً أخرى تحركت مذهبياً، لتسلك مساراً علنياً مسانداً للمعارضة السورية، بعدما اعلن الحزب دعمه للنظام، ما أوصل النفور الأهلي المذهبي الى حده الأقصى.
وللمفارقة ان جزءاً من الشباب اللبناني، وبينهم شباب جامعي، يقاتل بالسلاح في سوريا، وجزءاً آخر يبحث عن المستقبل في الخارج، وعن فرص العمل، وثالثاً يهاجر الى دول العالم البعيدة، ومن بقي ينخرط في الصراع الاهلي المستمر في ضوء الانقسام اللبناني المستمر، فيما شباب "حزب الله" الذين ينخرطون عن وعي والتزاماً بقرار حاسم سياسي وشرعي، محلي واقليمي، بالمشاركة في القتال في سوريا، يخرجون عن "النأي اللبناني" بما يمكن وصفه انشقاقا سياسيا قد يتحول الى شرخ اجتماعي داخلي كبير، في ضوء ما تمارسه القوى المذهبية الأهلية الأخرى من ردود، ما يهدد البنية اللبنانية وتماسكها، وهنا يسقط الشباب على مذبح الانخراط في المعركة الداخلية السورية. ونسأل الشباب المنخرطين في المعركة، هل يخوض "حزب الله"معركته الداخلية اللبنانية أيضاً، وهو يقاتل إلى جانب النظام السوري؟ وهل هذه هي القناعة التي تتركون من خلالها عملكم وجامعاتكم؟ هذا مسلك يتنافى مع ضرورات الوحدة اللبنانية في مهمة الدفاع عن لبنان، وصون سيادته، واستكمال تحرير ما تبقى من أرضه، اذا اعتبرنا أن مسوغات الحزب التي يوردها دفاعاً عن استمرار مهمته القتالية، لا تتشكل حول المهمات الوطنية في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، وبالتالي فإن استنهاض تضامن وطني امام مواجهة عدوان اسرائيلي محتمل، تراجع أو بات غير ممكن بعدما ترنح لدى فئات لبنانية واسعة.

السابق
اللبنانيون يهلوسون… ويتساءلون
التالي
عشائر البقاع تقاتل في سوريا: معركتنا بوجه “التكفيريين”