لاجئون سوريون في قرى الجنوب معاناة وخوف

كانت حصة الجنوب 10% من مجموع اللاجئين السوريين لدى مفوضية الأمن العام اللبناني، وحتى الساعة لا يتعدى الـ500 ألف نازح. وقد تم تشكيل لجنة وزارية تنسق بين أعضائها وزارة الشؤون الاجتماعية، التي لعبت دور الوسيط بين المفوضية العليا اللاجئين، وهيئات ومنظمات المجتمع المدني والدول المانحة. وبعيداً عن تأليف اللجان والجمعيات كان على الجنوبيين تقاسم الرغيف مع الجار المنكوب، إلى مشاركة فرص العمل. أما النازحون الذين لم يوفقوا بفرص عمل فهم حتماً وقعوا بين مطرقة المفوضية، وسندان الجمعيات الأهلية. فتسجيلهم لدى الأولى يتطلب الانتظار أشهراً فيما تصرف جزءها الأكبر على الأمور الإدارية ليصل القليل القليل من التقديمات إلى النازحين.

بطاقة تموينية
وتشير مسؤولة مركز (كاريتاس الغازية) فاطمة مشورب أنه يتم تسجيل النازحين في مركز الأمم المتحدة، بحيث تحصل العائلة على بطاقة لكل أفرادها ويسجل ملف العائلة بكاريتاس، وتقوم الأمم المتحدة برفع الملف للبلديات حيث توزع المساعدات عبر الوزارة. ويحصل النازح على إقامة مؤقتة لمدة ستة أشهر إذ يبلغ رسم الإقامة 300 ألف ل.ل. تجدد مجاناً لستة أشهر.
أما رئيس دائرة الشؤون الاجتماعية في منطقة النبطية وجوارها الدكتور زاهي إبراهيم فيشير إلى أن اللجان التي تشكلت في وزارة الشؤون الاجتماعية والداخلية، تعمل على مستوى الأقضية بالتعاون مع البلديات لجمع معلومات دقيقة حول النازحين ولتقديم المساعدات اللازمة لهم. أما الآلية التي تعمل عليها وزارة الشؤون فهي، فتح ملف للعائلة النازحة يتضمن الأوراق الثبوتية وهوية ومكان الإقامة في الحي، البناية، وبعد إتمام الملف يعطي النازح بطاقة من شؤون اللاجئين ثم تحول إلى الشؤون الاجتماعية ليعطي بطاقة لاجئ.
يعطى اللاجئ بطاقة تموين لمدة شهر مع مصروف شهري يتراوح بين الـ200 و300$ للعائلة في الشهر.
فاضت القرى والبلدات الجنوبية بأعداد اللاجئين السوريين. منهم من قدم عبر معارفه اللبنانيين أو السوريين إبان حرب تموز من العام 2006، ومنهم العامل السابق الذي أتى بعائلته إلى لبنان. ومنهم من قدم من تلقاء نفسه كلاجئ باحث عن الأمن والأمان. تعددت الأسباب والهم واحد: لجوء قسري خوف وحرمان، قلق ويأس. شعور بانعدام الإنسانية. لقمتهم مغمسة بالدم السوري المسفوك. حتى اللقمة باتت لأصحاب الحظ الوفير – وبلغ عدد العائلات في قرى قضاء بنت جبيل نحو 3000 عائلة نازحة ويكثر وجودها في بلدات خربة سلم، تبنين، حداثا، كفردونين، برعشيت، حاريص، رشاف. وفي هذه القرى كان لشؤون جنوبية لقاءات مع بعض العائلات السورية اللاجئة لتحدثنا عن معاناتها، همومها وشجونها.

مساعدات غير كافية
يقول النازح أ. عبد الكريم ناصر: لجأت إلى لبنان بعد أن فقدت الأمن في قريتي السورية. ريف المعرة/ إدلب وقدمت إلى الجنوب منذ أربعة أشهر برفقة عائلتي، بعد أن اتصل بنا قريب سوري في لبنان هربنا، كحال أغلب العائلات السورية النازحة، من جحيم آلات القتل التي تفتك بها والتي لا تميز بين المقاتل والمدني.
يتابع ناصر: قامت وزارة الشؤون الاجتماعية برفع أسمائنا إلى مفوضية اللاجئين التي أعطتنا بدورها بطاقة مساعدة من مركزها في الغازية، حيث مركز الأمم المتحدة ويتم التنسيق بينهما. كما تلقينا مساعدات من الجمعيات المتعاقدة مع مركز الشؤون في تبنين، اقتصرت على المواد الغذائية والملابس ومواد التنظيف لكن حجم المساعدة لم يكف عائلتي المؤلفة من سبعة أفراد. كما ولدت زوجتي طفلاً منذ أسبوع فاضطررت أن أعمل في الفاعل بأجر يومي كي أؤمن قوت أولادي. أما الوضع الصحي فحدث ولا حرج، فحامل البطاقة يتم علاجه أما فاقدها فلا يتم علاجه بسبب العشوائية وسوء توزيع البطاقات والمساعدات. فبعض الناس يستفيد دائماً والبعض فاقد الاستفادة. ترك أطفاله المدرسة لأنه لم يستطع تأمين وسيلة نقل لهم. مدرستهم في سوريا أقفلت نتيجة الأوضاع الخطرة…
وعندما سألت الطفلة الصغيرة هل تحبين المدرسة؟ أجهشت بالبكاء قائلة: نعم أحب الذهاب إلى مدرستي في سوريا فأنا أفتقد اللعب مع رفاقي. تابعت الطفلة: كيف نلعب في هذه الغرفة المظلمة ونحن سبعة أفراد أريد أن أخرج وألعب مع رفاقي. يقاطع الأب طفلته الصغيرة بقوله: أصبحنا مجهولي المصير. بتنا نحلم بالأمان ونتمنى العودة وإعادة بناء بلدنا. كيف لا وسوريا متجهة إلى الخراب، أدعو المقاتلين أن يعودوا إلى رشدهم عبر طاولة الحوار، بالنسبة إلينا العودة أصبحت صعبة لم نعد نميز العدو من الصديق.

اهتمام قليل
بادرتنا م.م. مصطفى من اللثام بقولها: جئت بعد أن اشتد القصف على المدينة وأصبح البقاء عبثاً. أسكن هنا منذ أسبوعين. وأشارت إلى غرفة صغيرة. إلى جانب غرفة يسكنها أبي القادم منذ أربعة شهور. جئت إلى الجنوب اللبناني مع زوجي لأني سمعت أنه آمن وقد سبقني إليه أولادي المتزوجون، لم أتلق أية مساعدة حتى اللحظة. مع أني تعرضت لكسور في يدي فاستدنت المال لأذهب إلى المشفى. ولم تسجل أسماؤنا في "شؤون اللاجئين". نحن بحاجة إلى المساعدة بالأخص المواد الغذائية. بعد تهجيرنا القسري من بلادنا حيث فقدنا الأمن والأمان بتنا نشعر كأننا أغنام تساق. فقدنا الشعور بإنسانيتنا ما يحصل بحقنا إجرام بحد ذاته. المجتمع الدولي يتآمر علينا مصيرنا مجهول يحرّضون على قتلنا، في سوريا. والشعب بات لا يستطيع مضغ أو بلع لقمة العيش المُرّة لكثرة المشاهد الدامية. حتى الخبز بات عملة نادرة. دمعت عيناها وهي تقول بحشرجة: آخ أتمنى لو أرسل طائراً محملاً بالخبز والطعام إلى سوريا وأجهشت في البكاء. تمسح م. مصطفى دمعتها بيديها وتتابع: في بداية الحرب كان الشعب يطالب بالحرية ولكن تدخل الغرب، وانحرفت الثورة ودخل المجرمون. أنظري إلى العالم يقف صامتاً أمام هول المجازر التي تحصل في سوريا، ترفع يدها إلى السماء وتدعوا لهم: "الله يردن إلى رشدن". وأدام الله الشعب اللبناني الكريم والمعطاء. ويا ويلنا إذا انتشرت عدوى الحرب أين يصبح مصيرنا ومصيرهم. بالمناسبة أطلب من حكومة لبنان أن تولي لنازح السوري اهتماماً أكثر، كما "هتمينا" نحن بشعبها إبان حرب تموز من العام 2006.

أحوال مختلفة
فواز.ع. من حلب: غادرت عائلته المؤلفة من ستة أفراد سورية قسراً، من حوالى شهرين، أسوة بباقي النازحين السوريين. يسكن فواز في غرفة صغيرة 2×7 م تبلغ مساحتها وذلك مقابل عمل في الأرض يضيف: غادرنا منزلنا في سوريا وكان بحالة جيدة ولا أعلم مصيره بعد اشتداد المعارك. ورداً على سؤال بشأن المساعدات أجاب: رفعنا طلباً إلى مفوضية اللاجئين عبر موظف في وزارة الشؤون الاجتماعية ولم نتلق أية مساعدة حتى الآن. رغم أننا بأمس الحاجة إليها فنحن بحاجة إلى المواد الغذائية والفرش والملابس. زرت لبنان قبل الآن. الشعب اللبناني كريم. نشعر بالأمان هنا. سألته ماذا عن المدرسة؟ أطرق برأسه إلى الأرض قائلاً: الأولاد لا يذهبون إلى المدرسة فلا أحد يلتفت إلينا. وتابع: ماذا أقول للمقاتلين؟ هداهم الله. التعليم في سوريا مجاني كذلك الطبابة والأسعار معقولة. سوريا بلد معطاء اليوم تظللها غيمة سوداء. كمصيرنا الأسود. صحيح إني آمن في لبنان ولكن لا أشعر بلذة في طعام ولا شراب لأن بالي مشغول. أنتم جربتم قبلنا حرب تموز وفظاعتها، البؤس والمرارة ترتسم على الوجوه. البسمة غادرت وجوه الأطفال حتى البراءة سلبت منهم.

قدِم خ.ش. إلى لبنان برفقة عائلته المؤلفة من خمسة أفراد. يحدثنا عن مجيئه إلى لبنان: لجأت إليه منذ خمسة أشهر بعد اشتداد المعارك في جبل الزاوية. أرشدني أحد الأصدقاء إلى هذا المنزل. عملت سابقاً في لبنان، تقاطعه زوجته قائلة: نحن مرتاحون هنا سجلنا في "الشؤون الاجتماعية" وحصلنا على البطاقة من الأمم المتحدة فكان نصيبنا حصة غذائية واحدة. يعمل خ.ش. في التبليط كعامل مياوم يقول: سجلت ولداً واحداً من أولادي في المدرسة فقط لأن الوضع لا يسمح. ينقصنا كل شيء، لا أحد يساعدنا، ابني بحاجة لعملية في عينه وينقصنا المال لمعالجته.
لو كنا في سوريا لعالجته مجاناً. عن سبب وجود الأب في الفراش قال: وقع حادث سير الأسبوع الماضي، لم تغط المفوضية تكاليفه، تابعت الزوجة نريد العودة إلى بلدنا. إلا أن الموت الذي يخيم على سوريا يمنعنا من العودة.

أمان ومعاملة جيدة
رفض عبد الكريم ذكر اسم عائلته، لأن إخوته في الجيش السوري النظامي. قادم من ريف القصير منذ سبعة أشهر برفقة زوجته الحامل يشير عبد الكريم إلى أنه عمل سابقاً في الجنوب ويقول: إن الشعب في الجنوب اللبناني شعب كريم، ومضياف. فقد بادلونا بمثل المعاملة التي قدمناها لهم خلال حرب تموز. شعب الجنوب هو شعب المقاومة ويعرف الصح من الخطأ. أدركتُ ذلك عندما تعرفت في العام 2006 إبان حرب تموز على بعض الأصدقاء اللبنانيين، وعندما اندلعت شرارة الحرب في سوريا اتصلت بهم وطلبت تأمين منزل فعملوا على ذلك وأمنوا لي المنزل المطلوب. مقابل أجرة شهرية 200 ألف ل.ل. الجدير ذكره إني رفعت طلباً إلى "الشؤون الاجتماعية" ولم أحصل على بطاقة الأمم المتحدة حتى الآن، ولا أعلم السبب.
أنا مريض وساقي مكسورة وزوجتي الحامل مريضة ونحن بحاجة لعلاج دائم، ولم تستقبلنا أي مستشفى إلا إذا دفعنا ثمن العلاج. أنا مرتاح في لبنان حيث الأمان، لكني لا أستطيع الذهاب إلى الشمال، لأني مؤيد للنظام وأتمنى له النصر وأخاف من الذبح إذا عدت إلى سوريا.

غير مدرج على اللائحة…
أ.جمعة هو عامل سوري نازح من دير الزور يقول جمعة: بعد اشتداد الحرب وفقداني لعملي طلبت من أهلي السماح لي بالذهاب إلى لبنان بعد أن تنقلنا من ديارنا إلى قرى أخرى مجاورة في سوريا. وبعد أن فقدت الأمان، توجهت إلى بيروت حيث لجأ أصحابي من القرية، ومنها توجهت إلى الجنوب حيث توفرت لنا فرص العمل، أما المساعدات فهي تطال العائلات دون الأفراد رغم أن الطرفين نازحان. فالعامل السوري اسمه غير مدرج على لائحة اللاجئين حتى لو كان وحيداً وغير موفق في عمله، ويقول جمعة إن سكنه أشبه بزريبة. أعمل بشكل يومي لأحصل قوتي كنت سألتحق بالجيش السوري لأخدم في العسكرية ثم انسحبت لأني لا أريد الذهاب إلى الموت برجلي. أشتاق لأهلي وأدعو الله أن يجمعني بهم. الفاقد لأهله ووطنه يكره الحياة، أشعر بالغربة فقدت راحتي رغم أني أتلقى معاملة جيدة من الجميع.
أجمع كافة اللاجئين . ان سوريا بلد عظيم ولن يجد اللاجئون أفضل من بلدهم لأنهم من دونه كالأيتام. حقائق وصور لا تنتهي فصولها ينقلها اللاجئون شبيهة بقصص الرعب وأفلام العنف، التي تنقلك من مشهد إلى مشهد أعنف منه. وكلما تنقلت من منزل لاجئ إلى آخر أضاف معاناة مختلفة من القتل والتشرد إلى فقدان الأهل والأصحاب والأمان النفسي، حتى فقدان الأمل بالحياة. هو مسلسل لم تنته فصوله بعد. لكن ينظرون إلى السماء مبتهلين إلى الله تعالى لأنه الأمل الوحيد لعودتهم إلى بلادهم.

 

السابق
معركة القصير: تبعات تدخل حزب الله اللبنانية والاقليمية
التالي
مصادر في “حزب الله” لـ”الراي”:حكومة الأمر الواقع تساوي مشروع إعلان حرب