النقابات في النبطية شاخت وذابت في الاحزاب

"بحْ نقابات"، تم تدجينها، إنسلخت عن أهدافها وذابت في الاحزاب، النقابات فرط عقدها، تحولت إلى سياسو-حزبية بإمتياز، وبالتالي يصبح مبررا تفرخها كالفطر، إن لهذا الحزب او ذاك وإن رفعت شعار "العامل" كنوع من عملية الاستقطاب. ولكن الجمهور كلّ وملّ من هرطقات الإستباحة لحقوقه التي لم يأخذ منها إلا وعوداً، لقد صودرت الحركات النقابية في النبطية وإنحرفت عن مسارها الرئيسي، لقد فُرط عقد النقابات في منطقة النبطية، فلا يوجد نقابة عمالية فاعلة، كلها ذابت في ثوب الحزبية السياسية، وضاع حق العامل في غياهب التبعية التي سيَرت مصيره على أهوائها وطارت أحلامه.
يقول النقابي العتيق حسين مزرعاني: "في عام 1965 أبصر العمل النقابي النبطاني النور، وتمكن من تشكيل لوبي ضاغط على الحكومات، بل شدّ اليه الاحزاب وتحركت خلفه لا أمامه، وتمكنت النقابات حينها من فرض إحترامها وتحقيق مطالبها إذ نجحت في إقناع رب العمل من إدخال العامل الى الضمان الصحي. الحركة العمالية التي إنطلقت مع إتحاد الأفران وتبعها الميكانيك، الخياطين، الحلويات والنجارين، أسست حركة عمالية رائدة حازت على ثقة الناس الذين إلتفوا حولها، وكانت تلك الحركات تابعة الى إتحاد العمال في صيدا الذي رأسه محمد نجيب الجمّال، وتصاعدت وتيرتها الى أن وصلت الى ذروتها في السبعينات وتوقفت في الثمانيات إثر الإجتياح الإسرائيلي ثم عادت نهاية الثمانيات مرتدية ثوبا حزبيا صادر عملها وسلخها عن أهدافها.

خمول نقابي
لقد أصاب الحركات النقابية الخمول، لا حيلة لها على الحراك إلا بقرار السلطة العليا" هكذا يختصر مزرعاني صورة النقابات في مدنية النبطية، المدينة التي تنتشر فيها مراكز نقابة العمال والمستخدمين، نقابة السائقين، نقابة المهندسين، الأطباء وغيرها ولكن "إستولت عليها الاحزاب وتركتها جسدا خاملا لا يتحرك إلا بقرار حزبي فضلا عن "ألكسل" الذي أصاب النقابيين، حتى صح القول " النقابات كالفنجان الذي انكسر وتبعثر" يقول مزرعاني .

هكذا ولدنا نقابيا
في منزله في النبطية يمضي مزرعاني الرجل السبعيني يومياته يراقب عن كثب ما يجري على الساحة العمالية تحديداً. فهو كان نبضها ومحركها، يقرأ جيدا هذا العالم ويعود بالذاكرة الى شباب النقابات "تمكنا من تشكيل قوة ضغط عمالية كبيرة جدا، كانت ناشطة، فرضنا قرارتها على الحكومة والأحزاب التي أيدتنا ودعمتنا، فرضنا إحترامنا على الجميع لأننا صادقون بمطالبنا" ويرى أن النقابات حالة ضاغطة أشبه باللوبي الذي يقلب كل موازين اللعبة لصالح العامل النقطة الأضعف في الحلقة السياسية" بحسب مزرعاني في معرض قراءته لمسار النقابات . يفرد مزرعاني جزءاً من ذاكرته لرصد حراك النقابات وكيف أمكنها من تأسيس لوبي ضاغط بكل ما للكلمة من معنى " بدأنا بنقابة الافران، أنا كعامل في فرن أكره العبودية والمظلومية، وأسعى خلف التحرر اللائق دون تعدي على الأخر، وبدأت تعن ببالي فكرة إنشاء تكتل عمالي نطالب بحقنا في الضمان، كان الضمان هو المطلب المحق لنا، كان ذلك في 1965 ، طرحت الفكرة على الرفاق وأيدوني بالفكرة، وبدأنا نعقد اللقاءات في منزلي وإنبثق منها نواة تجمع مطلبي عمالي لعمال الأفران الذي التحق فيما بعد بنقابة العمال في صيدا التي كان يرأسها حسيب عبد الجواد، وهكذا خرجت للضوء أول نقابة عمالية في منطقة النبطية، والتف حولها فيما بعد عدد كبير من المهن لتشمل الخياطين، الميكانيك، الحلويات، النجارين، وحظيت حركاتنا بدعم كبير من عبد الجواد الذي الذي رحّب بفكرة إنطلاق التجمعات العمالية الرافضة للظلم وكان الهدف المطلبي الأساسي الضمان الصحي والإجتماعي".

لقد هرمت النقابات
يُعتبر مزرعاني عصب الحركة النقابية، اسس إتحاد نقابة العمال والمستخدمين فرع النبطية يضحك حين تسأله عن دور النقابات في النبطية ومدى فاعليتها" لا يوجد نقابات ونقطة على السطر، دخلنا فترة التحولات الخطيرة، فالنقابي الناجح يجب أن يكون عاملا ليشعر مع العامل، لقد إنخرط العمل النقابي بالسياسة ففقد شرعيته ودخل الى السجن بنفسه، فالنقابة والسياسة لا يتفقان البتة، وحين تدخل السياسة بالنقابة فرطت، النقابة اليوم تطالب بحق السياسي مش العامل وهنا الإهانة الكبرى".
لقد شاخت الحركة النقابية مع نقاببيها الكبار يقول مزرعاني، فقدت ثقة الجمهور لأنها تسيست. كانت سابقا صادقة كان مطلبها عمالياً بحتاً وليس سياسياً كما اليوم" وبنظر مزرعاني "تنحى العمل النقابي عن مهمته، إخترقته السياسة تم تسيسه وكفى" يقول "وهذا أبعد النقابات عن المهمة الأساسية "حين إنطلقنا كان مطلبنا واضحاً لا سياسة العامل أساس، وكنا حين ندعو لتظاهرة كانت الناس كلها تخرج لملاقتنا وخلفها الاحزاب، اليوم الأحزب هي الناطقة الرسمي بإسم النقابات، خلت النقابات من كوادرها"، وبإعتقاد مزرعاني أن سبب إنسلاخ النقابات عن أهدفها "ذوبانها في الأحزاب التي "شفطت" منها كل الأهداف، فالعامل كان سابقا يلجا للنقابة ليستحصل حقه، اليوم يطرق باب هذا الحزب أو ذاك لماذا؟".
"النقابة لم يعد لها تأثير كما الحزب" أصبحت تحصيل حاصل "بل جزء من الحزب، تسير ضمن قنواته وبالتالي تتحدث بإسمه" ولا يفت مزرعاني الإشارة الى أن "العامل اليوم بدلا من لجوئه الى النقابة لتحل مشكلته يلجأ الى الحزب وليس الى النقابات التي تحولت بنظر مزرعاني الى "ديكور" وسط حضور "نقابات الاحزاب "التعاضد والهيئة الصحية، بإختصار تحولت الى صورية معلقة على الحائط للذكرى"، والسبب برأيه "لأن لا تحرك مستقلاً لها على الأرض،واذا ارادت التحرك يجب أن يدعمها الحزب، عكس زمننا كنّا نجر الحزب خلفنا".

أرضية جاهزة
رغم سوداوية الصورة إلا أن مزرعاني يرى أن "أن الأرضية جاهزة لإستقبال النقابات العمالية الفاعلة، شرط أن تنزع عنها رداء السياسة، وتضع نصب أعينها هدفها الأساسي وهي العمال. فالنقابات ولدت من رحم العامل ووجعه ولأجله وليس لأجل السياسة، وبرأيه أن "لو توحدت النقابات لما كان هناك إجحاف بحق العمال، إلا أنه يؤكد أن الأرض خصبة اليوم لزرع عمل نقابي ناجح وقوي والاحزاب ستدعم من يتحرك أكثر ويكون فاعلا لأن الواقع يحتاج الى الحراك الجدي اليوم، فالظروف أضحت قاسية لا تحتمل ويوجه مزرعاني نصيحة الى النقابيين أن يتمتعوا "بالاستقلالية لكي يفرضوا قوة ضاغطة تدفع الاحزاب لتسير خلفهم وينجح عملهم والا فالعامل يبقى مغلوب على امره"، مقدما مثالا "هيتئة التنسيق النقابية خير مثال".
  

السابق
لافروف وجر المنطقة للهاوية
التالي
صحناوي: قرار ديوان المحاسبة مسمار في نعش صدقية المستقبل