حزب الله يعمّم أزمته المحلية والاقليمية

هناك رؤية مختلفة لما يمكن ان تذهب اليه الاستحقاقات النيابية المقبلة. فحزب الله لم يقل كلمته في الداخل بعد، وهناك من يعتبر أن مصلحته تكمن في ان يعمم ازمته الخاصة على لبنان كله.

يختصر سياسي مطلع رؤيته لمسار الحدث اللبناني ارتباطاً بالازمة السورية، بأن الوقت لم يعد متاحاً للترف السياسي الذي يعيشه السياسيون في التفتيش عن حلول للأزمة الكبيرة التي يقبل عليها لبنان. فالاختلاف جذري بين المعضلة الحقيقية التي يواجهها البلد، وبين محاولات البحث عن حلول لها وكأنها ازمة ظرفية تنحصر بقانون الانتخاب، او كأن لبنان يعيش عهود السلم المزدهرة، لا ازمة وجود الكيان اللبناني كله.

قامت فلسفة دستور عام 1926 على دور رئيس الجمهورية وموقعه، وحين فرغت رئاسة الجمهورية عام 1988، تطور الوضع الداخلي في اتجاه قيام اتفاق الطائف، في شكل لم يكن متوقعاً، وصياغة بنود فيه لم تكن لتمر لو كان هناك رئيس للجمهورية. حمل الطائف في طياته نواة صلبة اسمها مجلس النواب، وهي النواة المهددة اليوم بانفراط عقدها، بحسب المسار الذي يمشي اليه البلد في الوقت الراهن، ما يعني في حالتي عدم التمديد للمجلس، ولو تقنياً، وعدم اجراء انتخابات نيابية، ان لبنان دخل في حالة المحظور التام التي تتخطى الخطوط الحمر.
والكلام عن الفراغ لم يعد تخويفياً بقدر ما اصبح واقعياً في القراءة السياسية والمعطيات العملانية، في ظل وجود حكومة مستقيلة، ورئيس مكلف، واقتراب شبح الفراغ من المؤسسات الامنية، وما يمكن ان يترك ذلك من تأثيرات على وضع رئاسة الجمهورية في السنة الاخيرة لولاية الرئيس ميشال سليمان.
فالتحذيرات، مثلاً، من احتمالات الفراغ في قوى الامن والجيش اللبناني عمرها اكثر من عامين، وليست وليدة حالة مفاجئة. ومع ذلك انزلق البلد الى فراغ في موقع المدير العام لقوى الامن الداخلي، ويقترب من الفراغ في المجلس العسكري (رغم الوعود بحلول قريبة) وقيادة الجيش، من دون ان يظهر حتى احتمال ضئيل، في ان تكون الخشية من الفراغ سبباً للتحوط منه عمليا وليس لفظياً.
واستطراداً فإن التحذيرات من الفراغ على مستوى المجلس النيابي لم تعد تحذيرات في الهواء، رغم الحركة الكثيفة التي تشهدها مختلف التيارات السياسية. اذ انها، بالنسبة الى اوساط سياسية، لا تزال محاولات تعكس رغبة في دينامية سياسية، وكأن البلد في حالة استقرار سياسي، ولا يعيش على قاب قوسين من حرب سورية مدمرة. والاهم انها حركة لا تلحظ ان سياسة حزب الله قد تكون تطورت اخيراً في اتجاه المرحلة التي يصبح البلد فيها كله مأزوماً، بدلاً من ان يكون الحزب وحده مأزوماً.
فالحزب الذي رحب باستقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بعدما اصبحت هذه الحكومة عبئا عليه لاسباب تتعلق بوضعه الداخلي والاقليمي، لا يبدو مستعجلا اتاحة الفرصة لتشكيل حكومة جديدة، ولا يضيره في شيء بقاء رئيسين للحكومة، واحد مستقيل وواحد مكلف. ولا يظهر ايضا في حالة المستعجل لاقرار قانون للانتخاب، وهو لم يقل كلمة فيه الا استعداده للسير بما يريده المسيحيون الذين لم يتفقوا بعد على مشروع واحد. والا فما معنى انه لا يمارس دوره في الضغط لعقد الهيئة العامة منذ اشهر، بدل الدوران في حلقة من المناقشات التي تعود لتصب في خانة اللاقانون واللاانتخابات؟
والكلام عن ضرورة وجود قانون من اجل التمديد اولا للمجلس النيابي، وقانونية المهل والترشيحات، كله صحيح قانونا ودستورا، في بلد قائم على احترام السلطات والمهل الدستورية. لكنه يصبح مجرد كلام اذا فقدت السلطات معنى وجودها، واذا رأى طرف أن ثمة مصلحة وجودية له في انفراط عقد مجلس النواب.
والحزب المتورط في الازمة السورية لا يريد ان يبقى مستفردا في مواجهة الضغط العربي والدولي من اجل كف يده عن خوض معركته الى جانب النظام السوري. لذا يريد تكبير ازمة لبنان السياسية، من خلال السير بالفراغ التام على مستوى الكيان كله، ما يجعل كل الطوائف والمجموعات متورطة في التحول المقبل، ويدفع تدريجا من حالة الازمة الكبرى الى السير في اتجاه حالة جديدة، عبر مؤتمر تأسيسي او اي نوع آخر من انواع اعادة هيكلة النظام اللبناني. وكل ذلك لا يمكن ان يترافق مع قيام مجلس نواب وحكومة سياسية تنبثق من نتائجها غير المضمونة.
لذا يبدو مهماً تلمّس واقع القيادات المسيحية ازاء اي تطور يمس الكيان ويمس الطائف، ولو مع وجود معترضين عليه. من هنا يمكن النظر الى اجتماع القوات اللبنانية وتكتل التغيير والاصلاح في معراب، بما هو اهم من بحث موضوع قانون الانتخاب بتفاصيله التقنية والبوانتاج حول تصويت الافرقاء السياسيين على مشروع المختلط او الارثوذكسي. وبدا من خلال اتجاهات المشاركين الاساسيين ان خطورة المرحلة الراهنة، لبنانياً وسورياً، جعلت المعنيين يبدون استعدادهم «للتضحية» بما يمكن ان يؤمن اجراء الانتخابات، رافضين كليا اي تمديد للمجلس. فجوهر حل الازمة الحالية محصور في حتمية اجراء الانتخاب، ولو بعد تأجيل اشهر قليلة، (وحتى مع بقاء قانون الستين اذا لزم الامر) من اجل سحب ذريعة الفراغ والذهاب الى متغيرات كيانية، وتشكيل حكومة بالحد الادنى من المقومات لضرورات آنية. والابرز البحث في كيفية التعاطي مع الوضع المسيحي العام في لبنان وفي سوريا، وانعكاس اي تطور لبناني وسوري على وجود المسيحيين. ولعل توسيع قاعدة الحوار والتشاور بين الاطراف المسيحيين الآخرين وبين حلفاء كل فريق مسيحي، قد تعني ان هناك ارتقاء من مبدأ تقاسم الحصص النيابية الى حماية النظام انطلاقاً من فرض اجراء انتخابات نيابية «حماية لوجود لبنان ووجودنا»، بحسب احد السياسيين المطلعين. لكن الوقت لم يعد يسمح بتضييع الفرص. فالمهل على الابواب… وكذلك الاستحقاقات السورية.

السابق
خطيب يدعو للاقتداء بميسي
التالي
بطاقة تهنئة تصور المسلمات كإرهابيات