الحركة النقابية جنوباً من قبضة اليسار إلى فخ المذاهب

قصدت مقر اتحاد نقابات العمال والمستخدمين في صيدا والجنوب يوم السبت 6 نيسان 2013 صباحاً، كان الباب مقفلاً، وقد علقت قربه ورقة تحمل أرقاماً هاتفيةً للمراجعة. عدت يوم الإثنين، دخلت مكتب رئيس الاتحاد، على الحائط خلف مكتبه علقت صورة كبيرة لرئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وفي قاعة الاجتماعات أيضاً رفعت صورة للرئيس الحريري وتحتها صورتان لرئيسي الاتحاد السابقين الراحلين حسيب عبد الجواد ووليد الجويدي. ذكرّني المكان ببعض بلديات الجنوب ومقرات نقابية التي ترفع صور رئيس حركة أمل، رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في مكتب الرئيس.هذه الصورة تعطي صورة واضحة لما آل إليه الاتحاد الذي بني في خمسينات وستينات القرن الماضي لبنة لبنة، ونقابة نقابة.
حظي الاتحاد بترخيض رسمي في منتصف الستينات وبضغط سياسي وقبل استقالة وزير العمل آنذاك جميل لحود بيوم واحد.
لم يأتِ تشكيل النقابات كحاجة تنظيمية لوضع عمالي ناشط، بل تأسست بقرارات حزبية من أحزاب يسارية لتكون واجهة نقابية لها. لعب حزب البعث دوراً أساسياً في تشكيل وادارة عدد من النقابات فيما سيطرت حركة القوميين العرب على نقابتين. كانت النقابات ترفع مطالب شعبية عامة، لغياب التجمعات العمالية الكثيفة وبالتالي غياب مطالب قطاعية مع استثناءات هنا وهناك.

نهضة نقابية قديمة
في نهاية الستينات وبداية السبعينات شهد لبنان نهضة صناعية واسعة، وانتشرت عشرات المصانع التي تهتم بالصناعات التحويلية أساساً، وتوسعت السوق الاقتصادية، ونشأت تجمعات عمالية حديثة. وفي الجنوب برزت معامل توضيب الحمضيات، ومصانع النسيج والخياطة، وانشأت فروعاً للمصارف وبرز دور العمال الزراعيين وعمال مؤسسة الريجي. هذه النهضة الاقتصادية أعطت فرصاً لتطوير أوضاع النقابات من خلال دخولها في ممارسات نقابية قاعدية. وقد استفادت النقابات من تطور في الحركة الشعبية وتطور مطالبها من قضايا معيشية وصولاً إلى مطالب ذات بعد سياسي.
في تلك المرحلة شهد الجنوب اضرابات عمالية عدة منها اضراب عمال الريجي في الغازية عام 1970 بهدف الحصول على عمل ثابت ودائم في المؤسسة. وفي ذلك الاضراب انتخب العمال والعاملات لجنة تمثيلية ضمت نساء ورجالاً وجرى انتخاب "حنة" وهي امرأة لترؤس اللجنة.
وحدثت اضرابات عدة في مناشر معامل التوضيب، كذلك في أوساط العمال الزراعيين وعمال الرش، وقاد الاتحاد تظاهرات مطلبية عامة حول زيادات الأجور وتحقيق الضمانات الاجتماعية والصحية. وفي هذه المرحلة زاد عدد المنتسبين إلى النقابات وتحول بعضها إلى نقابات ناشطة بشكل فعلي، لكن ذلك لم ينعكس ايجابياً على الوضع النقابي التنظيمي الذي بقي أسير التجاذبات والمحاصصات بين أحزاب اليسار وقوى نقابية تقليدية. مما يعني أن العلاقات الديمقراطية لم تبنَ داخل المؤسسات نفسها.

بُنى فارغة… وخطاب وطني
مع بداية الحرب 1975 شهد الوضع النقابي في الجنوب جموداً وشارك عدد من النقابيين في الحرب الأهلية، وتحولت النقابات مجدداً إلى بنى فارغة من العناصر النشطة والشابة. لكن الاتحاد بقي محافظاً على خطاب وطني عام بسبب سياسة قيادته التقدمية ودفاعها المستميت عن مصالح الفقراء والفئات الشعبية.
بعد تحرير الجزء الرئيس من الجنوب عام 1985، عادت الحياة تدب في النقابات العمالية، وشهد الاتحاد تجربة رائدة قام بها طرف سياسي يساري اعتمد بناء لجان قاعدية في القطاعات الأكثر تمركزاً وبنيت لجان في القطاع الصحي، قطاع الخياطة، قطاع الزراعة. ولعبت هذه اللجان دوراً أساسياً في التحركات النقابية التي جرت في ثمانينات القرن الماضي. وتجدر الإشارة إلى الحضور الكثيف لأعضاء اللجان العمالية في المؤتمر النقابي الأول الذي عقد في صيدا عام 1987.

شهر النضال النقابي
وفي شهر تموز 1987 الذي عرف باسم شهر النضال النقابي، نظمت اللجان العمالية الموجودة في عدد من النقابات نحو 12 لقاءاً عمالياً شارك فيها أكثر من 300 عامل وعاملة. واختتم الشهر النضالي بلقاء عمالي واسع في مدرسة الاصلاح – صيدا حضره أكثر من 500 مشارك.
واستمر تطور الوضع النقابي وتحول الاتحاد إلى مركز استقطاب نضالي واسع، لم ينعكس ذلك على الوضع التنظيمي أيضاً، واستمرت المحاصصة بين الأحزاب الموجودة للسيطرة على النقابات، ولم تستطع اللجان العمالية تغيير هذه المعادلة بل انخرطت في نفس السياسة. وصار للجان العمالية حصة خاصة بها. هذا الوضع التنظيمي فتح الباب أمام القوى السلطوية عبر اتفاق الطائف للتسلل والسيطرة على الاتحاد.
بعد الطائف، سيطرت قوى الترويكا على مؤسسات الدولة العامة والخاصة ولم يعصَ عليها سوى الحركة النقابية، فبدأت سياسة وضع اليد عليها. وهذا ما حصل في الجنوب، فقد منح وزير العمل أسعد حردان ستة تراخيص لنقابات لا أساس موضوعياً لها، بالمقابل سعى حلف المستقبل-أمل بالزحف والاستيلاء على النقابات الواحدة بعد الأخرى، ورافق ذلك تراجع في دور الأحزاب اليسارية وانحسار دورها في الاتحاد، وكانت الذروة عندما بدأت الحملة الأمنية التي رافقت انتخابات المجلس التنفيذي للاتحاد في منتصف عقد التسعينيات حيث حوصر مقر الاتحاد وأجريت انتخابات صورية بوجود قوى الأمن. ومن يومها تراجع دور الاتحاد وانحسر الوجود العمالي، وترافق ذلك مع الضربات التي وجهت إلى المؤسسات الاقتصادية وإغلاق معظمها وتحول العمال إلى قوة هامشية ومعظمهم حل مشكلته بالهجرة. وتحول الاتحاد إلى مكتب اداري له دوامه الرسمي للحضور.
 الترياقي: اذا كان الاتحاد للسلطة فما سبب شلل نقابات "اليسار"
شهدت الاشهر الماضية نشاطاً مطلبياً واسعاً، شكل مطلب إقرار سلسلة الرتب والرواتب عاموده الأساس، وبرزت هيئة التنسيق النقابية بصفتها الأداة النقابية الناشطة في وجه تقاعس الحركة النقابية الرسمية ممثلة بالاتحاد العمالي العام، وما يحوي من اتحادات تحولت إلى هياكل فارغة وتحول عملها إلى متابعات ادارية. أسدل ذلك بظلاله على الاتحادات كل بمفردها، فماذا يقول مسؤولو اتحاد نقابات العمال والمسخدمين في الجنوب؟

                

رئيس اتحاد النقابات
يعلّق رئيس اتحاد نقابات العمال والمستخدمين في صيدا والجنوب عبد اللطيف الترياقي على التحركات النقابية الأخيرة بقوله :"إنه تحرك مطلبي واسع، وقد أيدناه لأنه يرفع مطلب حق للمعلمين ولموظفي القطاع العام أسوة بالقطاع الخاص. ونحن نتابع نشاط هيئة التنسيق وعلى علاقة مع بعض أعضائها مثل وليد جرادي وكاسترو عبد الله".
يصمت الترياقي لحظة ويتابع :"طبعاً تأييدنا جاء من حيث المبدأ، لكننا ما زلنا أعضاء في الاتحاد العام الذي يكتسب الشرعية النقابية. على الرغم من ملاحظاتنا على أدائه، فإن هيئة التنسيق نجحت في الدفاع عن مصالح قطاع المعلمين والقطاع العام، ولا يعني أنها البديل عن الاتحاد العمالي العام الذي لم يفقد تمثيله لمصالح العمال، لكن عليه قراءة الواقع ومتابعة قضايا العمال، وألا ينظر إلى عمله وكأنه عمل إداري بحت".

العلاقة بين الاتحاد العام وهيئة التنسيق
وعن العلاقة بين الطرفين، يعترف الترياقي بفقدان أية علاقة بين الطرفين، ويوضح قائلاً :"هذا من مساوئ السياسة التي لا تدخل في أي أمر إلا وأفسدته. وخصوصاً أن لا تناقض بين الطرفين، فالاتحاد يمثل العمال والموظفين في القطاع الخاص، وتمثل هيئة التنسيق العاملين في القطاع العام. لذلك كنا نتمنى أن لا ينسحب الاتحاد الوطني من الاتحاد العمالي العام".

العمل النقابي في الجنوب
وعن العمل في اتحاد الجنوب، يوضح الترياقي :"تحركاتنا يومية، نتابع قضايا العمال، نحاول تثبيت عمال بلدية صيدا مثلاً. لكننا لا ندعو إلى تحركات شعبية واسعة مراعاة للوضع السياسي العام وللوضع الأمني. كما أننا نتحرك مع شركاء في هيئات أخرى لتنمية مدينة صيدا".
وعن الوضع الداخلي للاتحاد، يقول الترياقي :"يضم الاتحاد عشرين نقابة، 12 نقابة ناشطة وخمس نقابات متوسطة الحراك وثلاث نقابات شبه مشلولة. واجتماعات الاتحاد وهيئاته منتظمة".
ويضيف :"لدينا الهيئة الدائمة للتدريب النقابي التي تحضّر حالياً لعقد مجموعة من الدورات التدريبية بالشراكة مع المركز اللبناني للتدريب النقابي".
وعن الانتخابات النقابية، يشير الترياقي إلى أن "الانتخابات تجري بشكل دوري ومنتظم، لكن بعض النقابات تأخر في اجرائها بسبب الوضع السياسي العام وبعضها الآخر يتردد في اجراء الانتخابات ونحن نسعى لأن تشارك القوى السياسية كافة في عمل الاتحاد ونقاباته".

المصري:الوضع النقابي في الجنوب سيء جداً
ويرى نائب رئيس اتحاد نقابات العمال والمستخدمين في صيدا والجنوب أحمد المصري "أن الوضع النقابي سيئ جداً، بعد أن وضع الزعماء السياسيون للطوائف يدهم على الحركة النقابية، وصار الاتحاد العمالي العام مشتتاً، يتحرك وفق كبسات الأزرار
التي تمارسها قوى سياسية سلطوية".

ويعطي المصري مثلاً على ذلك :"مؤخراً كان مقرراً أن ينفذ إضراب سائقي السيارات العمومية، لكن الإضراب أوقف ليلة تنفيذه وبقرار سياسي. هذا هو حال الاتحادات جميعها".
ويضيف المصري :"تأثر العمال بالانقسام المذهبي وتحولوا إلى أعداء، كل طرف في مواجهة الآخر، مما أثر سلبياً على الانتساب للنقابات، وكل قوة سياسية تسيطر على عدد من النقابات، وتتربع على متنها وترتاح من عناء النضال والمطالبة".
ويتابع :"في الماضي، كانت القوى النقابية اليسارية تتابع العمل النقابي والجماهيري، تحاول حل المشاكل العمالية وتنظم التحركات. الآن غائبة عن السمع، لا تتابع العمل النقابي، وتتصرف بصفتها غير مسؤولة. ويتهم بعض القوى النقابية اليسارية السابقة، بأن اتحادنا من اتحادات السلطة، فيصبح مشروعاً السؤال، لماذا النقابات التي ما زال اليسار النقابي مسيطراً عليها متوقفة عن العمل أو غير ناشطة؟ مع إنني أوافق أن الاتحاد لم يعد واجهة عمل جماهيري وأن عمل الاتحاد العام مجمد إلا إذا أرادت تحريكه قوى سياسية مذهبية".
وعن الانتخابات النقابية، يشير المصري إلى أن بعضها يمارس الانتخابات الدورية. وعن نشاط الاتحاد، يبتسم المصري ويجيب :"نتابع شكاوى العمال ونعقد اجتماعات مع أرباب العمل والقوى الاقتصادية الأخرى".


السابق
حماس الجديدة… أم الخيار اليمني معدلا
التالي
سليمان: الاعتراف بتضحيات الشهداء يكون بالتطبيق الصحيح للديموقراطية