لا 8 ولا 14


يتصاعد الفلتان الأمني في ظل الضباب الذي يلف الساحة السياسية، وسط أزمتي تأليف الحكومة، وإقرار قانون الانتخاب تمهيداً لإنجاز استحقاق الانتخابات النيابية التي كان مفترضاً إجراؤها في 9 حزيران المقبل.
إذاً، يتزاحم السياسي مع الأمني، في ظل الأزمة السورية المتمادية وتداعياتها الخطيرة على لبنان دولة ومؤسسات ومواطنين، ولا سيما منهم أولئك القاطنين في الشمال والبقاع، وعلى طول الحدود اللبنانية مع سورية.
لقد أصاب اللبنانيين الملل من المراوحة السياسية المتواصلة، فكل من فريقي 8 و14 آذار يريد كسب السبق. لكن صراحة، الناس باتت لا تريد 8 آذار ولا 14 آذار، لأن السباق الحقيقي يجري بين الحرب الأهلية وبين السلم الأهلي، فكلا الفريقين يتزاحمان على حساب سلم اللبنانيين وأمنهم الوطني، وهذا ما يخشونه كما أنهم لا طاقة لهم على سماع أنباء القتل والدم ودوّي الرصاص مجدداً.
لقد شهدت السنوات الثماني الماضية كما نشهد اليوم، استغلالاً لمشاعر الناس وعواطفهم تحقيقاً لمصالح فريقين يتقاسمان الساحة السياسية اللبنانية. ومنذ 2005، تحوّلت الظروف الأمنية المتزامنة مع التجييش العصبي والطائفي شمّاعة تعلّق عليها خيبات الطبقة السياسية، فيما كل من طرفَي النزاع يغنّي على ليل مصالحه فحسب!
اليوم يجري النزاع على قانون الانتخاب: الستين (الدوحة)، أم 2000 (قانون غازي كنعان)، أم «المشروع الأرثوذكسي» أوقانون المختلط، كما على الحكومة: شكلاً وعدداً، سياسية أم تكنوقراط، بوزراء مرشحين للانتخابات أم من غير المرشحين، ومن له الاولوية الحكومة أم قانون الانتخاب أو الدجاجة أم البيضة؟ ووسط كل هذا، يخشى الناس أن يكون الفراغ هو النتيجة الفعلية لهذا النزاع.
لا نريد للبلد أن يبقى أسير هذه الحال، فلبنان اليوم ليس في حاجة إلى حكومة تصريف أعمال، فيما الإدارات والمؤسسات تُدار من لدن أرباب الطوائف، بسبب نهج المحاصصات الطائفية والمذهبية، والمستثمرون خائفون على أموالهم واستثماراتهم، والشباب والشابات ماضون إلى الهجرة وطلب العلم والعمل في الخارج. وبما أنه لا يمكن لحكومة أن تحكم إذا غاب مجلس النواب، فإن المطلوب أولاً إقرار قانون للانتخاب كي لا يصل البلد إلى أحد «المُرّين» الفراغ أو التمديد بكل ما يعنيه من تمديد لحال المراوحة وحشر البلد وناسه بين 8 و14. فهذا ظلم للبنان الدولة والمؤسسات وجورٌ في حق اللبنانيين لا يمكن القبول به أو الرضوخ لهكذا مصير.
من هنا، نرجو أن يوفّق الرئيس المكلف تمام سلام في إنجاز تشكيلته الحكومية في أسرع ما يمكن، وندعو القوى السياسية إلى التعاون الجدي معه من أجل قيام حكومة فاعلة تجري الانتخابات النيابية، لأن ثمن الفراغ في المؤسسات الدستورية سيكون غالياً جداً على لبنان واستقراره. والدليل ما نشهده من تطورات على صعيد الأزمة السورية، سواء المشاركة في القتال الدائر فيها، أم الدعوات الجارية حالياً من بعض المشايخ إلى «الجهاد» هناك. لا شك في أن دعم هذه الاتجاهات من قوى سياسية وازنة أوصلنا إلى هذه الحال، فيما السكوت عن المشاركة في القتال في سورية وزج لبنان في أتون الصراع القائم فيها، وكذلك عن التعرض للقوى الأمنية والعسكرية الشرعية، يعدّ إسقاطاً لهيبة الدولة والمؤسسات.
إن الأوضاع اللبنانية تتطلب جدية في التعاطي من القوى السياسية كافة، فإذا لم يحذر المسؤولون من تداعيات التراكمات المعيشية والخدماتية والاقتصادية على المواطن وأمنه الاجتماعي، فليحذروا من الفلتان الأمني ومن محاولات ملء الفراغ الذي يُحدثه غياب الدولة من التطرف والمتطرفين. لذا، فإن المسارعة إلى إعطاء استحقاقي الانتخابات النيابية وتأليف الحكومة حقهما، وتحصين البلد اقتصادياً واجتماعياً، هي الضمان الحقيقي للاستقرار الأمني، وسط الهشاشة الداخلية والاضطراب الإقليمي.

السابق
حزب الله يدين نبش القبور ومهدد بوضعه على قائمة الإرهاب
التالي
قضية مخطوفي أعــزاز الى الحلحلة؟