مبادرة عليلة

إذا حاكمنا الأمور حسب بعض العناوين الرئيسة في الاعلام الاسرائيلي، فقد وقع امس اختراق تاريخي: رئيس وزراء قطر، حمد بن جاسم، دعا في نهاية لقاء مع وزير الخارجية الامريكي جون كيري ونائب الرئيس جو بايدن الى السعي نحو اتفاق سلام بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية يتضمن تبادلا للاراضي متفقا عليه. وتحدث بن جاسم باسم وفد ممثلي الجامعة العربية ضم ممثلين لكل من البحرين ومصر ولبنان والسعودية والسلطة. وأفاد ان لاول مرة ستتضمن مبادرة الجامعة العربية تعديلات لخطوط 67 وأن الدول العربية تواصل تبني ‘الالتزام الاستراتيجي’ بالسلام.
في المؤتمر الصحفي الذي عقد في نهاية اللقاء احتفل الامريكيون بالتقدم. ‘كان لنا نقاش جد مجد مع نتائج ايجابية’، قال وزير الخارجية جون كيري. وأثنى كيري على الجامعة العربية من حيث دورها الهام وتصميمها على تحقيق السلام في الشرق الاوسط، ولا سيما اعادة اقرارها لمبادرة الجامعة العربية، الرامية على حد قوله الى ‘تحقيق النهاية للنزاع′.
عبارة ‘نهاية النزاع′ لا تغري ولا سيما للاذان الاسرائيلية التي شبعت وعودا جزئية وغامضة. غير أن حمد بن جاسم، اعتبر في اثناء ولايته كوزير للخارجية القطرية احد الجهات الاكثر سلبية بالنسبة لاسرائيل. فعلى مدى السنين عارض بن جاسم التطبيع. وفي اللقاء مع وزير الخارجية شلومو بن عامي في كانون الاول 2000 اقترح خدمات الوساطة من جانبه في المفاوضات السلمية، ولكن ردا على سؤال وزير الخارجية الاسرائيلي قال ان نهاية النزاع ‘لا هو ولا أحد في العالم العربي قادر على منحه لاسرائيل’.
إذن ما الذي تغير؟ التفسير يكمن بالذات في ضعف الجامعة العربية، وفي فشل الادارة الامريكية في احداث اختراق في المسيرة السياسية. العالم العربي لم يكن ابدا مادة واحدة، ولكن منذ اندلاع موجة الثورات التي عرفت باسم ‘الربيع العربي’ تجد الجامعة صعوبة في اداء مهامها. وقد انكشف وهنها أمام العالم بأسره في الحرب الاهلية السورية. ورغم كل التصريحات، المقاطعات وحتى ضم رجال المعارضة السورية الى صفوفها، لم تنجح الجامعة العربية في التأثير في شيء على الدولة الممزقة، وبالتأكيد عدم قدرتها على قيادة عملية تبادل للحكم.
اما الولايات المتحدة من جهتها فتتعرف مرة اخرى على الفارق بين التصريحات بشأن الحاجة العاجلة الى تحريك المسيرة الدبلوماسية وبين صعوبة جلب الطرفين الى طاولة المحادثات. فالجولة المكوكية لوزير الخارجية الامريكي في المنطقة لم تعط ثمارها حتى الان. واذا كان الامريكيون بحاجة الى الجامعة العربية كي يحدثوا اختراقا، فهذا يدل على أن الوضع سيء للغاية حقا. الكرة لا توجد في خطر بل في الملعب الفلسطيني.
في زيارته الاخيرة الى رام الله سأل الرئيس اوباما رئيس السلطة ‘ماذا انتم الفلسطينيون مستعدون لعمله من أجل استئناف المفاوضات؟’ ولا تزال الادارة تنتظر الجواب. طالما يواصل ابو مازن حملة التطهير في أوساط المعسكر المعتدل في الحكم الفلسطيني بدلا من الالتزام بالمسيرة السياسية، فان احتمال استئناف محادثات ذات مغزى يبقى هزيلا. لا يمكن لاي اعلان احتفالي في واشنطن أن يغير هذا.

السابق
مرونة الخط الاحمر
التالي
مراهقة تحمل نيابة عن والدتها