القضاة يزعجون مرسي

ايها القضاة، ايها القضاة، أنتم أملنا بعد الله’، هتف الاخوان المسلمون، الفرحون، بعد الانتخابات للبرلمان في 2005 حين اجترفوا 88 مقعدا في البرلمان. ليس الاخوان وحدهم سجلوا انتصارا هائلا، بل قضاة مصر أيضا ممن راقبوا الانتخابات أصبحوا في ذاك الزمن رمزا. فهم الذين يقرروا خلافا لجهود النظام لافشال مرشحي الاخوان بأن من حق الاخوان ان يتنافسوا، وهم الذين اقاموا في وجه النظام سورا واقيا، دمر في 2010. فقد ألغى حسني مبارك في حينه الرقابة القضائية على الانتخابات، وفي اعقابها لم يدخل الى البرلمان حتى ولا مرشح واحد عن الاخوان. بعد ذلك وقعت الثورة، واستولى الاخوان على الحكم.
وها هم ذات القضاة الذين أمروا بتحرير آلاف السجناء السياسيين، الكثير منهم من رجال الاخوان المسلمين، هم الذين الغوا الحظر على تشكيل الحزب الذي يعتمد على برنامج ديني، وقفوا بصلابة أيضا في وجه المجلس العسكري الاعلى وأقروا تعيين محمد مرسي رئيسا. هم الان ‘اعداء’ النظام الجديد.
قبل أقل من اسبوعين خرج الاخوان المسلمون والحركات السلفية في مظاهرة جماعية، داعين الى ‘تطهير الجهاز القضائي’. اكثر من مائة شخص اصيبوا في المظاهرة العنيفة، التي اطلقت فيها هتافات تنديد موجهة للقضاة، ولا سيما رئيس نادي القضاة، احمد الزند الذي رفعت بحقه دعوى قضائية بشبهة التحريض ضد النظام. واحتدم التوتر بين القضاة والاخوان المسلمين في الاسابيع الاخيرة لدرجة أن النائب العام، طلعت عبدالله، الذي عينه مرسي ويواصل مهام منصبه رغم أن المحكمة قررت بان النائب العام السابق، عبدالمجيد محمود، اقيل دون مبرر، قرر رفع دعوى اخرى ضد الزند للاشتباه ‘ بخيانة الوطن وطلب المساعدة من دول أجنبية’. وزعم ان الزند دعا الرئيس اوباما الى التدخل لحماية القضاة في مصر واستدعى منظمات حقوق الانسان الدولية للتحقيق في خرق المواثيق التي وقعت عليها مصر بسبب مس النظام بالقضاة.
نادي القضاة هو اتحاد مستقل وليس حكوميا، وقد تأسس النادي في الثلاثينيات كمركز اجتماعي لقضاة الدولة، حل في عهد ناصر، وعاد الى العمل في عهد أنور السادات. ومنذئذ تطور النادي الذي يضم اكثر من تسعة الاف قاضٍ ليصبح مؤسسة شديدة الاهمية ولمواقف قيادته تأثير هائل على السلوك السياسي للنظام. وهكذا مثلا قرر ‘النادي’ عدم المشاركة في الرقابة على الاستفتاء الشعبي على الدستور، والذي تعارضه المعارضة، وقف على رأس الاحتجاجات الجماهيرية التي أثارتها القرارات الرئاسية التي اتخذها مرسي السنة الماضية، بل وبادر الى تأخير اجراء الانتخابات الجديدة للبرلمان، الى أن تحسم المحكمة الدستورية في مسألة قانون الانتخابات.
من زاوية وجهة نظر مرسي فان نادي القضاة هو شر يجب هزه وتطهيره. ومع أنه يعلن عن تقديره للنادي ويحذر من المس الجسدي بالقضاة (بعد أن وردت تهديدات هاتفية الى منازل القضاة واطلقت هتافات لحصار منزل الزند)، ولكنه أيضا يبادر الان الى قانون جديد للجهاز القضائي يثير خلافا عميقا. وحسب القانون المقترح، فان سن التقاعد للقضاة سيكون 60. ومعناه هو أن نحو 3 الاف قاضٍ سيضطرون الى الاعتزال. وبدلا منهم يتطلع مرسي الى تعيين قضاة مقربين من الاخوان المسلمين. ‘هذا قانون يستهدف احداث مذبحة للقضاة’، اعلن القاضي فتحي عبدالله، نائب رئيس نادي القضاة.
وحتى وزير العدل لدى مرسي، أحمد مكي، قرر الاستقالة على خلفية نية تشريع القانون الذي لم يُسأل عن رأيه فيه. وأوضح مكي بعد ذلك بانه سيوافق على سحب استقالته اذا عدل القانون بشكل لا يمس القضاة.
ليست هذه هي المرة الاولى التي يصطدم بها مكي مع رئيسه. فقد عارض ايضا قرارات مرسي الرئاسية واعتقد بانه يجب الوصول الى حل وسط مع المعارضة في هذه الشأن بل وتعديل بنود الدستور التي تثير الخلاف. وجعلته مواقفه أحيانا ممثلا للمعارضة في الحكومة أو على الاقل من يمنح نظام مرسي طابعا من الاعتدال والمرونة. ولكن يبدو أنه حتى لو تراجع مرسي عن استقالته، فان التغيير الشخصي المرتقب في اوساط الحكومة ستجعله ينضم الى المعارضة.
‘تطهير الجهاز القضائي’ ليس ابتكارا مصريا. ففي الدول الغربية، في اسرائيل وفي تركيا ايضا يتطلع الرؤساء ورؤساء الوزراء الى ادخال مقربين وذوي ايديولوجيا مشابهة لايديولوجياتهم الى الجهاز القضائي. فرئيس الوزراء التركي أحدث في العام 2010 تحولا جوهريا في طريقة تعيين القضاة والنواب العامين. وزاد عدد أعضاء مجلس القضاء الاعلى المسؤول عن تعيين القضاة بحيث يضم ممثلين اكاديميين، محامين خاصين وممثلين لا يشتغلون في القضاء، يعينهم الرئيس.
غير أن في مصر لا يزال لا يوجد برلمان له صلاحيات بتغيير القانون أو الدستور، والتشريع هو في يد مجلس الشورى حيث توجد اغلبية لرجال الاخوان المسلمين. والتخوف الشديد هو ان مرسي قد يستغل عدم وجود البرلمان كي يدمر السور الواقي القضائي وهكذا ينزع الكابح الاهم الذي يقف في وجه العربدة السياسية للاخوان.

السابق
زيارة اوباما الى اسرائيل
التالي
تقرير اسرائيلي: البديل اسوأ بكثير من بشار الاسد