موفدون كُثُر .. ولا حل!

يعيش لبنان أعقد فصول حياته السياسية في ظل مناخات الحرب الأهلية التي تجتاح المنطقة لاستيعاب الانتفاضات الشعبية وحرفها عن مسارها الطبيعي، بل وتوظيفها ضد أهدافها الأصلية عبر تدجينها بالشعار الإسلامي واحتمالات إغراقها بالفوضى الدموية.

فالتوافق غائب، بل لعله مغيّب بالأمر! والأزمة حادة جداً، وهي تشمل، إلى مشروع الحكومة الجديدة، مصير المجلس النيابي الذي يتعذر عليه الاجتماع لإقرار قانون جديد للانتخابات، أي قانون… وقيادة القوات المسلحة وأركانها التي يحتاج التمديد للقائم بالأمر منها تواقيع المراجع المختصة، وكذلك تعيين البدلاء، إذا أمكن التفاهم على صفقة متكاملة وإن تمّ تنفيذها بالتقسيط.

لا مجال لحكومة اللون الواحد، والتورّط في مثل هذه المغامرة (مجدداً) يفتح أبواب جهنم، مرة أخرى أمام هذا الوطن الصغير… والجميل.

لا دولة، إذن، في غياب التوافق الذي هو قاعدة للحكم، بل هو بين شروط وجودها… أما نظامها فثابت لا يحول ولا يزول لأنه يعكس إرادة «الدول»، ويمكنها أن تحميه حتى في غياب «دولته».

وهكذا يدور لبنان الذي دولته دائماً «قيد التأسيس»، والذي «بلا داخل»، على ذاته، محاذراً الاصطدام بأسباب الخلاف الداخلي، ومحاذراً الاحتراق بنار «الخارج» القريب إلى حد تهاوي الحدود، ومحاذراً الاحتراق بنار «الخارج» البعيد نسبياً، في حين تتمدد نيران الصراع على سوريا، مرة أخرى، إلى العراق، متخذة صيغة الفتنة بين المسلمين سنة وشيعة، مهددة وجود «الأقليات المسيحية» التي هي في أصل تكوين هذه المنطقة من العالم التي كانت مهد الديانات السماوية جميعاً.

تستنفر «الدول» سفاراتها، وتبعث بالموفدين تباعاً، حتى وصلت العدوى إلى الاتحاد الروسي الذي أوفد بعض الكبار في وزارة خارجيته فاستمتعوا بالفولكلور اللبناني وهم يطوفون بين قياداته يستمعون إلى ما يعرفون، وينصحونهم بما يعرفون فيرفضون اعتماده للخروج من مأزقهم الحاد… بل المصيري.

تجيء السعودية منفردة، هذه المرة، مفترضة أنها تستبطن سائر العرب لوراثة سوريا، وأنها جديرة بتمثيل صاحب القرار في واشنطن، برغم أنه لم يتخذ قراره بعد، متجاهلاً أن الرئيس الفرنسي قد أصابته البحة فحجبت نداءه الحربي، وأن رئيس الوزراء البريطاني قد عدّل في لهجته وإن ظل يحرّض واشنطن على حسم أمرها بإسقاط النظام السوري ولو بذريعة استخدامه السلاح الكيميائي في حربه ضد معارضيه، الكثيرة فصائلهم، المتباينة مطالبهم، التائهة وحدتهم في تشعبات لحاهم الكثة والطويلة فوق سراويلهم ودشداشاتهم المقصوصة تحت الركبة بقليل.

تكتشف السعودية أن «بندرها» وحده لا يكفي، حتى لو استمال بأسلوبه المميز بعض القيادات المؤهلة على كسر التوازن الهش بين فريقي الصراع… فمن يكسر التوازن قد يناله ضرر أعظم من المكافأة بكثير.

… والزمن لا يتوقف، تتداخل المواعيد المقررة، دستورياً، ولا حل.

تتراكم التفاصيل فتسد الطريق أمام مقترحات الحلول التي يتسلى بطرحها الزوار الدوليون، ولا طائف، ولا دوحة.

تتزايد أعداد النازحين السوريين الذين تتحوّل مأساتهم التاريخية إلى بازار داخلي ـ عربي ـ دولي، وإلى مخاوف جدية من اختلال التوازن الداخلي، إذا ما استطال وجودهم الاضطراري فتحوّلوا من لاجئين بالاضطرار إلى مقيمين قسراً، أي إلى قوة ضغط على النظام الفريد… ولا منقذ أو متبرع بحل يجنّب هذا البلد الأمين نار الفتنة، و«أبطالها» ما أطالوا لحاهم إلا لهذه الغاية «المباركة».

والحل؟!

لا أحد في الداخل يملك تصوراً قابلاً للحياة، أقله حتى هذه اللحظة.

والخارج مرتاح إلى تحوّل المواجهة في سوريا بين النظام ومعارضيه إلى فوضى دموية تضرب «قلب العروبة النابض»… خصوصاً أنها مرشحة للتمدد في اتجاه العراق، وإلى أنحاء أخرى في الخليج والجزيرة، سيكون ضحيتها الأولى مستقبل الأمة إضافة إلى حاضرها.

ولبنان الذي بلا داخل، يمكنه أن يعيش حتى بلا دولته التي قيد التأسيس، والتي كلما أعيد استيلادها قيصرياً تبدت أضعف قدرة على الحياة، وبقي شعبه ممزقاً في كانتونات واقعية وإن تأخر إعلان «استقلالها»، ينتظر معجزات لا تتم لاستنقاذ وحدته التي من دونها لا حياة لكيانه… لو يعلم من يتعجل استقلال الآخرين عنه حتى يعلن «كيانه» الأبدي ـ السرمدي وريثاً وحيداً لنظامه الفريد.. ولو من دون شعب بل شعوب لا تقبل الوحدة إلا اضطراراً!

السابق
جبهة النصرة والمتشدّدون..سينتصرون!
التالي
الأسد حتى 2014؟