مغامرة حزب الله الجديدة ومضاعفاتها

هكذا إذن قاد حزب الله بمغامرته العسكرية الجديدة، بعد تلك التي زجّ فيها لبنان واللبنانيين بالقوة والإكراه صيف عام 2006 في أتون حرب مدمرة، الى مشارف الحرب الأهلية التي بذلنا في سبيل تجنّبها طيلة السنوات الماضية كل ما أوتينا من تعالٍ مشرف على الأحقاد وصبر طويل النفس على الجراح.
كنا قد نبّهنا وحذّرنا منذ بدء توفر المعلومات الموثقة عن تورّط الحزب في الحرب الدائرة رحاها في سوريا، وكانت بعد أولى جثث ضحايا مغامرته قد بدأت تصل الى ذويها وقراها ويتم دفنها بعيداً عن الاعلام، ان سياسته النزقة هذه من الخطورة بمكان وانها ستقود لبنان الى نقطة اللاعودة واللارجوع حيث تفلت الأوضاع عندنا من تحت السيطرة، إلا أن حزب الله الذي تعطلت عنده الرؤيا الثاقبة في قراءة العواقب الجسيمة لتورطه المحفوف بأسوأ التداعيات على السلم الأهلي في لبنان راح يغرق أكثر فأكثر في المستنقع السوري المتخم بالدماء والأشلاء والويلات والمآسي، غير آبهٍ بمصير الوطن الصغير وحاضره ومستقبل شعبه المقهور المخطوف رهينة للاملاآت الخارجية وأجنداتها المفروضة قسراً وبالقوة على اللبنانيين.
بل أسوأ من ذلك بكثير عندما أعلن السيد حسن نصرالله أمام شاشات التلفزة عقب العملية العسكرية التي أودت برؤوس "خلية الأزمة" جلادي الشعب السوري وعلى الملأ ان الحزب يرسل المقاتلين الى سوريا دفاعاً عن النظام الأسدي الذي أسبغ عليه صفات لا تمتّ للحقيقة بصلة فكال للجلادين القتلة المديح المطنب من قبيل أن النظام الأسدي ممانع ومقاوم ومقاتل لإسرائيل بداعي أن دمشق لطالما أرسلت إليه شحنات ضخمة من السلاح والذخائر، وقد تزامنت مواقف الحزب هذه وتورطه في القتال في سوريا مع مواقف وزير خارجية حكومة الصناعة السورية الذي كان لفظياً يفاخر بالدفاع عن سياسة النأي بالنفس وعملياً ينفذ ويمتثل لإملاءات النظام الأسدي الذي يبطش بشعبه ويدير المجازر السخيفة التي يندى لها جبين الانسانية جمعاء".
ليس هذا فحسب بل تترافق وتتزامن هذه المغامرة العسكرية الجديدة مع الحزب وحلفائه بإصرار وعناد لا مثيل له بممارسة سياسة تعطيل المؤسسات الدستورية تلك الرئة الضرورية لديمومة لبنان واستمراره. فحزب الله، بصرف النظر عن ابتسامات نوابه الغامضة التي أعقبت تكليف الغائب تمام سلام تشكيل الحكومة الجديدة، راح يطلق املاءاته وشروطه التعجيزية للحؤول دون تشكيل الحكومة. انه بكل بساطة يسعى لتعطيل الحياة السياسية في البلاد، فتصبح والحالة هذه دولة فاشلة لا تحظى بأي احترام من المجتمع الدولي مما يؤدي حتماً الى هروب ما تبقى من توظيفات ورساميل عربية وأجنبية وكأنه يعمل ما بوسعه كي نصل الى الافلاس التام والنهائي. وإلا فما معنى وما هو المقصود من الاصرار على ضرورة تشكيل حكومة سياسية في الوقت الذي ترانا فيه بأمسّ الحاجة لحكومة محايدة مستقلة تشرف على الانتخابات. فأي لبنان هو هذا، واية دولة قد أصبحنا ونحن عاجزون عن تشكيل حكومة وغير قادرين على اجراء الانتخابات؟.
ان حالة عامة من الشلل التام والبوار والكساد والبطالة وإفلاس المؤسسات والشركات تلف البلاد من أقصاها الى أقصاها. فالقطاع السياحي وهو مصدر رزق لعشرات الألوف من العائلات قد هبط الى أدنى مستوى له منذ نهاية الحرب الأهلية. حقاً اننا نحصد الآن الثمار المرة والنتائج الوخيمة لسياسة النأي بالنفس والتي تمت ترجمتها عملياً بمعاداة العرب وهم الغالبية الساحقة من السياح والمصطافين". كما ان الغطاء السياسي الذي قدّمه حزب الله لحليفه الأكثر ولاء تيار الجنرال عون ووزيري الطاقة والاتصالات رغماً عن الفضائح المالية التي ضاق بها اللبنانيون ذرعاً ليندرج هو الآخر في سياسة التعطيل والعجز التي تنوء تحتها البلاد.
ويتساءل اللبنانيون ومعهم رئيس البلاد نفسه حول نوايا حزب الله بالعمل لتمديد ولاية مجلس النواب لنبرهن ونقولها بكل أسى مرة أخرى أمام العالم أجمع اننا دولة فاشلة بامتياز.
إن النتائج الوخيمة والتداعيات الخطيرة لتورط حزب الله في القتال الدائر في سوريا والتي اتخذت طابعاً مذهبياً مقززاً قد استنفرت دعاة التطرف والحقد والانتقام في العديد من المدن والمناطق، فإذا بنا نسمع علناً وبالفم الملآن دعوات مدانة للجهاد المذهبي في الجانب الآخر من الحدود. انه النتاج الطبيعي والتلقائي والوجه الآخر القميء لسياسة الغرق في المستنقع السوري المخيف الذي يتخبط فيه حزب الله هناك حيث يتوالى احضار المزيد من جثث ضحايا المواجهات والاشتباكات. فأية مصلحة للبنانيين جميعاً يا ترى في الدفاع المستميت عن نظام فاشي دموي آيلٍ لا محالة عاجلاً أم آجلاً الى السقوط؟. إن وزر الدم البريء لثقيل جداً ومسؤوليته لَجسيمة، ومن الخطأ المميت أن ننزلق فنغرق بدورنا في ما يحاك لنا في الظلام.
ان الأنباء التي تناقلتها وسائل الاعلام عن التراشق المدفعي والصاروخي عبر المناطق الحدودية في شمالي البقاع منذ أيام حيث تعرضت مدينة الهرمل للقصف لها دلالات خطيرة، خاصة بعد أن تبعتها تحذيرات من الجيش السوري الحر بنقل المعركة مع حزب الله داخل لبنان. وهذا أيضاً عنصر جديد باعث على القلق في ما يتعلق بتورط حزب الله. فهل نحن حيال اتساع رقعة القتال لتطاول أهلنا في الهرمل وبعلبك ومختلف مناطق البقاع؟.
إن المضاعفات والتداعيات الناجمة عن مغامرة حزب الله العسكرية في سوريا تستدعي وقفة وطنية مسؤولة قبل فوات الأوان. فاليقظة اليقظة مما يحاك لنا في الظلام، ولنحذر من الانزلاق دون أن ندري الى فصل جديد من المغامرات. يجب حل مشكلة سلاح حزب الله.
  

السابق
أزمة الباخرة التركية تتفاعل: مسؤولية ضائعة
التالي
دق النفير الإيراني لنصرة الأسد