عقاب من يمس ذاتاً أميرية

يبدو ان بعض النفوس الاميرية ورغم ما تملك من استثناءات تعزز خصالها الايجابية للعمل نحو تحقيق العدالة بين المواطنين، قد فاتتها مقولة صمويل جونسون العظيمة "السلطة ليست دليلا كافيا لإثبات الحقيقة"، وأخطأ من استعمل سلطته لاثبات ان مسلم البراك مس بالامير او انه يستحق السجن خمس سنوات.

رأت المحكمة الجنائية الكويتية ان البراك، وهو نائب برلماني سابق ومن أكثر المنتقدين للسلطة، مذنب بتهمة الاساءة للأمير في خطاب ألقاه في تشرين الأول العام الماضي ناشد فيه امير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح تجنب الحكم الاستبدادي. واذا ما اردنا تفسير المعنى الحقيقي لتهمة "المس بذات الامير" قبل الغوص في مدى صحتها، نجد ان الرجل يحاسب على ما فكر وما اقترح، كما حوسب الشاعر القطري ابن الذيب على قصيدة الياسمين ليحكم بالسجن خمسة عشر عاما ، هذا بعد الاستئناف، وطبعا كما يحاسب مئات الناشطين في السعودية وغيرها من الدويلات العربية ذات الانظمة مزدوجة المعايير يملك بعضها في افضل الاحوال ديمقراطية زائفة.

نرفض تزييف الواقع لذا لا بد ان نعترف انه من بين هذه الحكومات، تؤمّن الكويتية لمواطنيها سلاما وراحة مادية يتمناهما كل مواطن عربي، لكن بات معلوما ايضا ان العدالة في الكويت تعاني ما تعانيه حيث يشتكي مواطنون من تذبذب في تطبيق الاحكام والقوانين بين ناس وناس، فيسجن كويتي لأبسط الامور بينما يفلت آخر محكوم بالسجن مع التنفيذ من العقاب ثم يسمح له بالترشح للانتخابات..هل هذه عدالة؟.

لم نستحضر واقع العدالة في الكويت للمساس بالقضاء الكويتي انما لتوضيح احتمالية تداخل السلطات لادانة البراك ، فالاخير صنف كأقوى ثالث معارض ضد سرقة المال العام والفساد على مستوى العالم من قبل صحيفة نيويورك تايم الأميركية، وحصل على 31020 صوتا في إنتخابات العام 2012 ويعتبر هذا الرقم تاريخيا لم يحصده اي مرشح على مر تاريخ البرلمان الكويتي. والاخير خاطب الصباح وأبلغه ان الشعب لن يسمح له بالتفرد بالحكم. فماذا فعل الرجل اذا القى الضوء على امور لا بد من اصلاحها؟ وبماذا اخطأ اذا قال ما يريد كثيرون قوله ولم يجرؤوا؟ ولماذا احدث البراك كل هذه الهزّات الاعتراضية في الامارة حيث "العدالة"؟

الوهية الحكام العرب او ما يسمونه تطبيقا للسلطة واعتمادهم على دهاليز القانون لنيل ثقة الشعب طوعا، جعل هذا الشعب يستنجد ولو بالشياطين وما اتوا به من ربيع عربي لم تشهده الكويت او بالاحرى تفادت اضطراباته، لكن مواطنيها نظموا احتجاجات ضخمة في الشوارع بعدما غير الامير قانون الانتخابات في تحرك كان الهدف منه منع المعارضة من الفوز بأغلبية برلمانية. اي منع التغيير والاصلاح، ومنع مسلم البراك وامثاله من الكلام.

رغم ان الكويت تسمح بحرية التعبير بصورة اكبر من دول خليجية اخرى لكن الامير له القول الفصل في شؤون الدولة ويجعله الدستور محصنا لا يخضع للانتقاد. وطبعا للذات الاميرية اعلاء شأن وامتيازات يمنحه اياها الشعب بدافعي الحب والتقدير، وللذات الاميرية كل الاحترام والحصانة الا في ما يتعلق بالحق والعدل فاذا مسّ امير بأحدهما مسّ الف معارض بالامراء.

هذا الواقع جعل الناس تلتف حول البراك عندما حكم بالسجن خمس سنوات، وتدافع عنه رغم انها لا تسعى لاسقاط النظام وهذا ما اكده المعارض بقوله "الشعب يريد الاصلاح والعيش بكرامة".

مسلم البراك كان الاسبوع الماضي بجهوزية ينتظر ادارة التنفيذ الجنائي، معتبرا انهم موظفون لهم عنده "أمران فنجان قهوة أشقر وحشيمة وكرامة". لكن المحكمة عادت لتفرج عنه بكفالة مالية وتعطي فريق دفاعه فرصة للمرافعة مرة ثانية الشهر المقبل، والرجل لم يتراجع لحظة عن كلامه متمسكا بحقه كمواطن كويتي معارض. ونحن مع مسلم البراك ننتظر في الجلسة المقبلة عقاب "من يمس ذاتا اميرية".  

السابق
الحوت: اللقاء الدوري بين الجماعة الاسلامية وحزب الله متوقف منذ اشهر
التالي
الدم والنار يرسمان النظام الإقليمي الجديد؟