الدم والنار يرسمان النظام الإقليمي الجديد؟

على عادتي منذ 15 سنة وربما أكثر، توجهت في الخامس عشر من شهر آذار الماضي الى واشنطن لقضاء نحو خمسة اسابيع بين اداراتها المتعددة، ومراكز أبحاثها العريقة والمتنوعة في اقتناعاتها السياسية الداخلية والخارجية، وعدد كبير من الموظفين الكبار في إداراتها الذين لا تزال غالبيتهم الواسعة تتعاطى الشأن العام من مواقع مختلفة. وعلى عادتي ايضاً، زرت في أثناء الرحلة نفسها مدينة نيويورك التي يصفها الكثيرون من داخل اميركا وخارجها بعاصمة العالم، والتقيت فيها بعض كبار المنظمة الدولية الاولى اي الامم المتحدة، وعدداً من الديبلوماسيين الذين يمثلون دولهم فيها، وباحثين كبار في أعرق مراكز الابحاث فيها بل في الولايات المتحدة كلها. وعلى عادتي ايضاً، التقيت احد ابرز العاملين في مجموعات المنظمات اليهودية الاميركية، وكنت التقيته للمرة الاولى قبل سنوات طويلة. والدافع الى لقائه في حينه، ومن ثم في كل زيارة بعدها لنيويورك، كان محاولة الحصول على ما يفيد في معرفة المواقف الاميركية وخصوصاً من قضايا شرق اوسطنا الذي التهب منذ عام 1947 بسبب "القضية الفلسطينية" التي صار اسمها الصراع العربي – الاسرائيلي، والذي قد يكون صار حالياً ولأسباب عدة النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي فقط، والذي عاد الى الالتهاب ولكن الشامل هذه المرة منذ بزوغ فجر "الربيع العربي" الذي لم يعد يعرف العرب إذا كان ربيعاً او صيفاً حاراً او خريفاً وشتاء قاسيين جداً، وخصوصاً بعدما أدّى وبغير قصد منه او من الشعوب التي ثارت من اجله الى اشتعال حرائق ضخمة ومستمرة في دول عدة، والى اهتزاز او بالاحرى ارتجاف دول اخرى، والى عودة الدم غزيراً الى دول ثالثة، والى احتمال شمول دول رابعة عربية وربما اسلامية غير عربية بنعمته اي بنعمة هذا الربيع. وعلى غير عادتي، تعمدت الالتقاء في رحلتي الاميركية الاخيرة ممثلين عرباً وخصوصاً في واشنطن. لكن ضيق الوقت وكثرة عدد الاجتماعات (نحو 56 اجتماعاً) دفعاني الى عدم التوسع في هذا الامر على امل القيام به في رحلات لاحقة. كما تعمدت جعل تعريجي على باريس احدى العاصمتين العالميتين اللتين احب، والثانية هي واشنطن، لا يقتصر على الراحة من عناء وتعب وشغل واجتماعات وكلام كثير. ولا بد ان يظهر ذلك في سلسلة "مقالات" "الموقف هذا النهار" التي تعود إلى القراء اليوم بعد غياب استمر 41 يوماً. ولا بد هنا من الاشارة الى ان التنوع في اللقاءات كان الهدف الاساسي منه محاولة تكوين رأي أو فكرة عن الذي يجري في بلادنا والعالم، وذلك باستشراف المواقف المتنوعة ديموقراطياً داخل "الادارات" وفي مراكز الأبحاث، وبمحاولة الافادة من تجربة الديبلوماسية العربية والاجنبية في واشنطن ونيويورك.
ما هي الموضوعات التي ستتناولها "السلسلة" الجديدة؟
ستتناول طبعاً الدول العربية كلها أو غالبيتها في المشرق والمغرب والوسط كما في الخليج، سواء المؤطرة دوله في مجلس التعاون او الباقية خارجه، وستتناول ايران الاسلامية وتركيا. ولن تتجاهل افغانستان وباكستان والحدث الدولي الخطير الذي استجّد بالتحدي الاخير لاميركا الذي مارسته كوريا الشمالية قبل اسابيع. وطبعاً لن تنسى السلسلة الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي.
في اختصار لا استطيع ان أعد القرّاء هنا، وهم يعرفون جراء تحوُّل العالم قرية كونية واحدة بسبب تطور الإعلام ووسائل الاتصالات، بإراحة اللبنانيين ولا غيرهم من خلال "الموقف". فـ"الربيع المتفجر" مستمر وهو مُعدٍ، وقد لا تنجو منه إلا قلة من الدول إذا نجت. والنظام الاقليمي الذي اقامته فرنسا وبريطانيا برسم خرائط على طاولة قبل انتهاء الحرب العالمية الاولى انتهى. والنظام الذي سيحل مكانه لم يعد يفيد الرسم في وضعه. إذ ان الذي سيرسم الحدود والخطوط وكل شيء سيكون الدم والنار. فهل يتعظ اللبنانيون قبل فوات الأوان؟ أم يسترسلون في سياسة التناحر من اجل مصالح شخصية لزعاماتهم او طائفية او مذهبية، وإن أدى ذلك الى حرب اهلية مذهبية معالمها واضحة في سوريا والعراق بل العالم العربي. وهي قد بدأت تتضح في لبنان.
ومن لا يزال غير مقتنع بذلك فليتابع دعوات "الجهاد" المتبادل وأحوال مناطق لبنانية معينة.  

السابق
عقاب من يمس ذاتاً أميرية
التالي
وزراء النَبي وحكومة النأي بالنفس